responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 7
كنتُ عند الرشيد في مجلس خلوة لم يحضره إلا جعفر بن يحيى، إذ بكى، فقلتُ يا أمير المؤمنين: ما يبكيك، لا أبكى الله عينيك، قال: أنت أبكيتني يا إبراهيم، لأنك مع كمالك وأدبك ومعرفتك قد اشتهرت بالغناء، فاخترته ولزمته حتى عطَّلك عما يسمو إليك مثلك، وكأني بك غداً، وقد مَلَكَ بعض ولدِ أخيك فأمرك ونهاك وامتهنك في الغناء، وإنما امتهن المهدي بك، قال: فلما كان في أيام المعتصم حضر في يومٍ منها مجلسه وكان الأفشين حاضراً فلما أرادوا الانصراف قال الأفشين: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، تطول على عبدك بالتقدم إلى الندماء أن يكونوا غداً عندي، فأمرهم المعتصم بالمصير إليه، فقال: وليُجبني سيدي إبراهيم، قال: يا عم أجبه، فصار إليه إبراهيم في غدٍ، وبكر الندماء إليه جميعاً، فسُرَّ وسرِب حتى سكر، وكانى طاغياً، شديد العربدة لجوجاً، فلما عَمِلَ فيه السكر قال: يا إبراهيم غنِّ صةتك الذي فيه [مومو] قال لا أعرفه، قال: تغني والله أبداً كلَّ شيء تحسِنه حتى يمر هذا الصوت، قال فغني إبراهيم أصواتاً كثيرة والأفشين ساكتٌ ضاربٌ بذقنه على صدره، ثم خطر ببال إبراهيم قول الرشيد، وبكاؤه له وإشفاقه عليه فغنى متفجعاً لذكره:
لم أَلقَ بعدَهُمُ قوماً فأُخبرهم ... ألا يزيد حُبا إليَّ هُمُ
فرفع الأفشين رأسه وقال: هو هذا، فقال إبراهيم: أما إنك لا تدري ما استخرجته، وانصرف فقطع الغناء وأهله فلم يغنِّ بقية أيامه حتى اعتل العلة التي توفي فيها. فيقال: لما ثقل دعا المعتصم بصالح بن الرشيد فقال: صِر إلى عمي فقد بلغني أنه عليل فاحضره وانصرف إليَّ بخبره، قال: فسرتُ إليه فإذا هو شديد العلة، فسلمت عليه وسألته عن حاله فقال: سر إلى الحجرة فاخلع سيفك وسوادك، وعد إلي آنس بك ساعةً، ففعلت، ودعا خادماً من خدمه فأمره أن يحضر لي طعاماً فأحضره وأكلت منه وهو ينظر إلي وأتبينُ الأسف في عينيه، ثم دعا لي بأرطال مطبوخ عجيب فشربت ثم قال: يا غلام ادعُ لي بنعمة وخيزرانة، وكانت نعمة تضرب وخيزرانة تغني فجاءتا، فأمر هذه فضربت وهذه فغنت، ثم قال: أسندوني، فأسندوه وأمر خيزُرانة فحطت من طبقتها ثم اندفع يغني:
رُبَّ ركبٍ قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماءِ الزُّلالِ
ثم أَضحوا، لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهرُ حالاً بعد حال
من رآنا فليوطِّن نفسه ... إنه منها عى قرني رئال
قال: فاستوفاه، فما سمعتُ شيئاً قط كان أحسن من غنائه فيه، فقال: بأبي أنت وأزيدك، فقلت ما أريد أن أشقَّ عليك مع ما اراه من حالك، فليتني كنتُ فداك، فقال: دعني أُودِّع نفسي، وتغني:
يا منزلاً لم تبلَ أطلالُه ... حاشى لأطلالك أن تبلى
لم أَبكِ أطلالك لكنني ... بكيت نفسي فيك إذ ولى
والعيش أَولى ما بكاه الفتى ... لا بدَّ للمحزون أن يسلى
فبكيت لطيب غِنائِه، وشربت أرطالاً، ومال على جنبه فنهضت ولبست سوادي، فما خرجتُ من الحجرة حتى سمعت الصُّراخ عليه، وصِرت إلى المعتصم فأخبرته الخبر على وجهه، فاسترجع وبكى وتوجع.
وكان عبد الله بن الفضل بن الربيع موصوفاً بالبراعة في الشعر والغناء، فأخذ منه إسحق الموصلي صوتاً من شعره وغنائه وهو:
وصف الصدَّ لمن يهوى فَصَدّْ ... وبدا يمزح بالهجرِفَجَدّْ
ما له يصرف عني وجهه ... وهو لا يعدله عندي أحد
وغُني به الرشيدُ فقال: من يقول هذا يا إسحق، قال: بعض مواليك يا أمير المؤمنين، فقال: من من موالي يُحسن مثل هذا ولا أعرفه، قال: عبد الله بن الفضل، فقال للفضل: أحضرني ابنك عبد الله فقد بلغني أنه يجيد الغناء، فقال: وولائك يا أمير المؤمنين ما عرفتُ بشيءٍ من هذا إلا في ساعتي هذه، ومضى فدعا بابنه عبد الله وقال: قد بلغ من قدرك أن تجترئ عليَّ حتى تضع الغناء ويغنيه المغنون الخليفة، وأنا لا أعلم بشيءٍ من أمرك، وأمره أن يغنيه بشيءٍ من صنعته، فغناه صوتاً استحسنه وصار به إلى الرشيد فغناه، فأمر له بعشرة آلاف دينار. فقبضها الفضل، وقال له الرشيد: اشتر له بها ضيعة، ولم يزل من ندماءِ الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم.

نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست