responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 95
وأخذ الوالي في الليل رجلاً سكران، فقال له: من أنت؟ قال:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدرُهُ ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوءِ ناره ... فمنهم قيام تارةً وقعود
فقال: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: تجاوزوا عن ذوي الهَنَات، خلّوا سبيله، فلما أُطلق قال له أصحابه إنه ابن باقلاَّني، فقال: إن لم يترك لنسبه تُرك لأدبه.
وكان بالبصرة خياط أحدب مولع بالشراب، فشرب ليلةً فوق سطح فمشى وهو سكران فوقع على حدبته فذهبت وصارت به أَدُرة عظيمة، فدخل إليه جيرانه يهنِّئونه، فقال لهم: جئتموني للتهنئة، ولم تعلموا أن الذي جاءَ شرٌ من الذي ذهب.
وقال رجل لسعيد العامري: لقد حظيت بكثرة المال، قال: فإني بعتك مالي كله بحبة من عقل عفان الموسوس، قال: وأي شيءٍ رأيت من عقله؟ قال: رأيته يوماً وقد وقف عليه رجلان أحدهما سكران، فجعل السكران يفتري عليه وهو يفتري على الصاحي، فقلت له: ألا تشتم الذي يشتمك؟ قال: لا، لأن معه شيطاناً لا أقوى عليه، فالتفت إليَّ السكران وقال: يا ابن الزانية، تحرضه على شتمي، ورفع حجراً من الأرض فشجَّني به، ومرَّ يعدو، فقال عفّان: من هذا فررتُ.
وزار عبادياً رجلٌ من إخوانه فأجلسه على مصلى نظيف وغدَّاه وسقاه، فسكر الضيف وسَلَح على المصَلَّى، فأخذ العبادي بيده وأدخله الكنيف فنام فيه، فقال: فديتك يا سيدي، أنت تخري حيث ينام الناس، وتنام حيث يخرون.
وحكي عن ابن أحمد البصري أنه دخل على قومٍ يشربون فرأى فيهم رجلاً سكران، فأقبل يكبِّر ويهلِّل، فقيل له: ما بالك؟ قال: لم أر سكران قبل هذا، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: كنتُ أسكر قبل الناس فلا أراهم إذا سكروا.
وذكر حمدون النديم أن إبراهيم بن المهدي دعا جماعة من أصحابه بحيث يصطبحون عنده، فجاء مخارقُ سكران لا فَضْلَ فيه، فعاتبه إبراهيم، فقال: لا والله أيها الأمير، ما كانت آفتي إلا أن سُليم بن سلام مرَّ بي فغنى صوتاً له، صنعه قريباً فشربت عليه إلى السحر، قال: وما هو، أنشده وغناه:
إذا كنت ندماني فباكر مدامةً ... معتَّقةً زُفت إلى خير خاطب
تردَّت رداءَ الحسن في غير ناظرٍ ... ومُدَّ لها عمر فطابت لشارب
قال المدائني: لقي طائف من أهل خراسان سكران بالكوفة فأخذه، وقال: أنت سكران، فأنكر ذلك، فقال: إقرأ حتى أسمع، قال: نعم ثم قال:
ذكر القلبُ الرَّبابا ... بعدما شابت وشابا
إن دين الحب فرضٌ ... لا نرى فيه ارتيابا
فخلاَّه، وقال: قاتلكم الله ما أقرأكم للقرآن سُكارى وصُحاة.
وقال محمد بن زياد الثقفي: مررت ذات ليلة بباب الشام، والقمر يزهو، فإذا شيخ سكران، متوشِّح في إزارٍ أحمر وبين يديه قنينة، وهو يخاطبها ويقول:
عشرون ألف فتىً، ما بينهم رجلٌ ... إلاَّ كألفِ فتىً مقادمةٍ بطل
كانت عيابُهُم مملوءةً ذهباً ... ففرَّغوها وأوكوها على الإبل
فقلت له: أحسنت لله أنت، أبو من؟ أعزك الله، قال: أبو عيشونة الخياط، قلت: ومن هؤلاء الصعاليك الذين وصفت في شعرك، قال: فتيان الوغى وفرسان الهيجاء، شهدت بهم حروب الأمين وصليت معهم نيران فتنة المستعين ولولا [ما] خامر قلبي من الجوى وأخرس لساني عن الشكوى لحدثتك عن حروبنا يوماً فيوماً وساعةً فساعة، فقد حاربت صعاليك الفتيان وسابقتهم إلى غاية كل ميدان، واعترف إليَّ كل فاتكٍ وأذعن لي كل شاطرٍ، ونزلتُ هذه الدار ثلاثين سنة، وأشار إلى السجن ببغداد، ثم تنفس الصعداء، فقلت: ومن عشيقك هذا الذي همت به حتى أذهل لبَّك وخامر هواه قلبك، قال: حبيب لي بالبصرة، عُلِّقته وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم غبت ثلاثاً وأربعين سنة، فلما عيل به صبري، خرجت إلى البصرة فطفت في أزقتها وشوارعها حتى رأيته وقد خضب الشيبُ عارِضَهُ، فما كدت أعرفه إلا بسحر عينيه ورفيف ثِنْيَيه وأنا الذي أقول فيه:
لي فؤاد مستهامُ ... وجفون لا تنامُ
ودموع مثل صوب القطر في خَدِّي سجامُ
وحبيب كلما خاطبتُه قال: سلامُ
فإذا ما قلتُ صِلني ... قال لي: ذاك حرامُ
وكان فراغ قنينته بفراغه من إنشاد هذه الأبيات، ثم نام فانصرفت متعجباً منه.

نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 95
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست