responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 96
وأُتي عليُّ بن أبي طالب (رض) بالنجاشي وهو سكران في شهر رمضان فجلده ثمانين لشربه، وجلده عشرين بعدها، فقال: ما هذه العلاوة يا أبا الحسن، قال: لإفطارك في شهر رمضان وولداننا صيام.
وإذا أكثر الإنسان من الشراب وأفرط فيه سدَّ مجاري الروح المنحدرة من الدماغ إلى سائر البدن، فامتنعت الروح من النفوذ إلى الأعضاء فعُدمت عند ذلك الحركة بالحس والنبض والتنفس، وإذا كان كذلك بطل الحيوان لأن الحيوان مشتقٌ من الحياة بالحركة، وإذا لم تكن حركة صار في عِداد الميتة والحجارة والتراب.
مثال ذلك؛ إن الماء الكثير يميت النبات ويذهب به، وكان القصد منه حياته وكل مفرط قاتل، وكذلك الدهن إذا كثر حتى يغمر السِّراج أطفأه، وقد رأينا الإكثار من الشراب يولِّد السكتة والفالج وموت الفجأة والأمراض الحادة مثل البرسام والذبحة وآفات كثيرة وبليات عظيمة؛ زونجد الذي يشرب الشراب بهدوء وقرار وسكون وبمقدار معتدل، ويكون إلى النقصان عن الحد أقرب منه إلى الزيادة، كيف يزهر وجهه ويظهر فرحه وسروره مع قلة كلام بل بعقل ورزانة من غير تخليط ولا عيب ولا سوء خلق وشيمة، فكأنه ملك، والذين معه ممن تجاوزوا الحدَّ شياطين، فهو يعجب من أفعالهم ويحصيها عليهم لأنهم خرجوا من حدّ الإنسانية وصاروا في حدِّ القرود فيُكثر الواحد منهم حتى يذهب عقله، ويرمي بنفسه كالميت، هذا إن لم يصارع ويواثب ويقاتل وربما خرج إلى الطرقات وتعرَّض للآفات؛ فأي علةٍ مستعجلة لا تحل بهذا وأي خلط لا يجتمع في بدنه، أم أي مرضٍ لا يحدث به، فإذا انتبه من سكرته، وأفاق من علته، رأيته منكسر اليدين مخموراً مصدَّع الرأس، فإن دخل الحمام على ذلك الامتلاء فأي شيء [مانع] للسكتة أن تناله، والآفات أن تحل به، ثم إنه يعود بعد ساعةٍ إلى شر مما كان فيه، ويوقل: ما دواء الخمار إلا الخمر، فيشرب ولا يقتصد، وقد ضعفت القوى، وكلت الأعضاء فتنحدر إليها المواد لسرعتها إلى العضو الضعيف، فليس نعجب لمن كان هذه حالته أن تكثر أمراضه وتعظم أوصابه، ويقل عمره، وتنصرم ليلته.
وسئل بعض حكمائهم عن السكر فقال: مجلبة للبلايا والآفات وسائر الأسقام والعاهات، ومفرِّق بين الأرواح والأبدان، وكل ذلك من الامتلاء والكثرة، وأنشد أبو عبادة النمري قول ابن ميَّادة:
حُبِسَتْ ثلاثة أحرسٍ في دارةٍ ... قوراء بين جوازلٍ ودجاج
تدع الغويَّ كأنه في نفسه ... ملك يُعصِّب رأسه بالتاج
ويظل يحسب كل شيءٍ حوله ... تحت العراق يُشَدُّ بالأحداج
فحين سمع أبو عبادة البيت قال: لو وجدت حمراء ياقوتية ذهبية أصفى من عين الغراب وعين الديك وماء المفاصل ولعاب الجندب، وأحسن حمرة من النار ومن نجيع غزالٍ وقوة الصباغ لما استطبتها حتى أعلم أنها من عصير الأرجل وأنها من نبات القرى وأن العنكبوت قد نسج عليها وفي قرية سوادية وحولها دجاج وفراريج وإن لم تكن رقطاء ولم تتم كما أُريد، وأعجب من هذا أني لا أنتفع بشربها حتى يكون صاحبها على غير الإسلام ويكون شيخاً لا يفصح بالعربية، ويكون قميصه منقعاً بالقار، فإن كان مجوسياً كان اسمه شهريار، ومازيار، وما أشبه ذلك، وإن كان يهودياً فاسمه مانشا وشكوما، وإن كان نصرانياً فاسمه يوشع وشمويل وما أشبه ذلك. وقال عطارد الففزاري:
شربنا شربة من بيت راسٍ ... بأطراف الزجاج من العصير
وأخرى بالمروق ثم رحنا ... نرى العصفور أعظم من بعير
وحتى خلتُ ديكَ أبي نُميرٍ ... أمير المؤمنين على السرير
كأن دجاجهم في الدار قُطا ... بنات الروم ترقص في الحرير
فبت أرى الكواكب دانيات ... يَفلن أنامل الرجل القصير
أُدافعهن بالكفين عني ... وأمسحُ جبهة القمر المنير
وقيل لبعضهم: لم تركت النبيذ؟ قال: رأيت صاحبه لا يروي منه، ورأيت بعضه يدعو إلى بعض، فتركت قليله لكثيره، قال الشاعر:
من عاقر الراح يرجو أن يغالبها ... ثنته عنها بحدٍّ غير مفلول
حتى تراه صريعاً لا حراك به ... لايعرف الحد بين لعرض والطول
وقال آخر:
أسقني بالكبير يا سعد حتى ... أحسب الناس كلَّهم لي عبيدا

نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست