لا عدا الشّرّ من بغى لكما الشّرّ ... وخصّ الفساد أهل الفساد
يقول: من طلب لكما الشر، فلا تجاوز عنه الشر ولا فارقه، وجعل الله أهل الفساد، مخصوصاً به دونكما.
أنتما ... ما اتّفقتما الجسم والرّو ح فلا احتجتما إلى العوّاد
يقول: أنتما - ما دام بينكما اتفاق وصلح - كالجسم والروح، فلا وقع بينكما اختلاف حتى تحتاجا إلى السفر في الصلح بينكما.
لما جعلهما الروح والجسم، جعل الاختلاف بينهنا مرضهما، وجعل سعي الناس في الصلح بينهما، عيادة لهما.
وإذا كان في الأنابيب خلفٌ ... وقع الطّيش في صدور الصّعاد
يقول: إذا وقع الخلف بين أهل المملكة، وهم الأمراء والجيوش والقواد، اضطرب ملكهم الذي هو صدرهم، كما أن أنابيب الرمح إذا اختلفت لم يعمل صدره وزل عن الطعن، واضطرب في يديه.
وقيل: أراد أنكما إذا اختلفتما اضطرب أمركما، كما أن الرمح إذا اختلفت أنابيبه طاشت أعاليه.
أشمت الخلف بالشّراة عداها ... وشفى ربّ فارسٍ من إياد
فاعل شفى ضمير الخلف والشراة: الخوارج، سموا أنفسهم شراة. يعني: شروا - بحزم - أنفسهم من الله تعالى: أي باعوها.
يقول: الاختلاف بين القوم يشمت الأعداء بهم، كما أن الخوارج لما اختلفت كلمتهم في خلافة أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، ظفر بهم أمير المؤمنين وأفناهم وأشمت بهم أعداءهم، وكذلك تمكن كسرى صاحب فارس من قبيلة إياد، شفى صدره، حين اختلفت كلمتهم.
وتولّى بني البريديّ في البص ... رة حتّى تمزّقوا في البلاد
يقول: إن الخلف أوقع ببني البريدي وهم ثلاثة إخوة كانوا قد ملكوا البصرة في أيام المقتدر فلم يقدر عليهم، حتى وقع الخلاف بينهم، ومات أحدهم، فتمكن منهم السلطان وشتت شملهم واستأصلهم.
وملوكاً كأمسٍ بالقرب منّا ... وكطسمٍ وأختها في البعاد
وملوكاً عطف على ما قبله. أي وتولى الخلف ملوكاً. وأختها: أي أخت طسم: وهي جديس.
يقول: أهلك الخلف ملوكاً قربوا منا، حتى أن مدة قربهم منا كمدة أمس إلى يومنا، وأهلك الاختلاف أيضاً ملوكاً في قديم الزمان: مثل طسم وجديس، وكانوا ملوك حمير.
بكما بتّ عائذاً فيكما من ... هـ ومن كلّ باغٍ وعاد
الباغي: من البغي. والعادي: من العدوان. والهاء في منه تعود إلى الخلف.
يقول: أعوذ بكما أن يقع الخلف بينكما، وأن يقع بينكما كيد البغاة والعداوة.
وبلبّيكما الأصيلين أن تف ... رق صمّ الرّماح بين الجياد
كان الوجه: ألبابكما. كقوله تعالى: " فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا "، والتثنية أيضاً جائزة.
يقول: أعوذ به بعقلكما الثابت أن تتحاربا، فتفرق الرماح بين خيولكما، فيصير معك حزب ومعه حزب.
أو يكون الوليّ أشقى عدوٍّ ... بالّذي تذخرانه من عتاد
يقول: أعوذ بعقلكما من أن تقتلا الولي، وأن تجعلاه لسلاحكما - الذي هو عدتكما وذخيرتكما للأعداء - أشقى عدو، إذ السلاح يعد للأعداء لا للأولياء.
هل يسرّنّ باقياً بعد ماضٍ ... ما تقول العداة في كلّ ناد
النادي: المجلس.
يقول: إذا تقاتلتما، فيقتل أحدكما صاحبه، هل يسر الباقي منكما ما تقول الأعداء في المجالس: إنه قتل صاحبه وهتك حرمته؟!
منع الودّ والرّعاية والسّؤ ... دد أن تبلغا إلى الأحقاد
يقول: هذه الخصال التي فيكما منعتكما أن تبلغا إلى أن يحقد أحدكما على صاحبه؛ فلهذا عدلتما إلى الصلح، لتأكد هذه المعاني.
وحقوقٌ ترقّق القلب للقل ... ب ولو ضمّنت قلوب الجماد
يقول: ومنع أيضاً حقوق متأكدة، حتى لو كانت للجماد قلوب، فضمنت هذه الحقوق تلك القلوب، لرق بعضها لبعض.
فغدا الملك باهراً من رآه ... شاكراً ما أتيتما من سدادٍ
يقول: لما اصطلحتما أصبح الملك منيراً، أبهر من رآه، وغلبه بنوره، وشكر لكما على ما رأيتما من الصواب والسداد.
فيه أيدكما على الظّفر الحل ... ووأيدي قومٍ على الأكباد
الهاء في فيه للملك.
يقول: ظفرتما من الملك بما أردتما، وأصبح حسادكما واضعين أيديهم على أكبادهم؛ لما نالهم من الألم بالصلح الذي صار بينكما.
هذه دولة المكارم والرّأ ... فة والمجد والنّدى والأيادي