ويروى ذا الملك بفتح الميم. أي أنت الذي ربيت هذا الملك، وأراد به: ابن مولى كافور. أي أنك كفلته وهو طفل صغير، لا يعرف أباً ولا أماً، فليس له أب ولا أم غيرك.
وكنت له ليث العرين لشبله ... وما لك إلاّ الهندوانيّ مخلب
يقول: كنت كالأسد لشبله، تذب عنه كما يذب الأسد عن شبله، وسيفك لك كالمخلب للأسد. والهاء في له للملك أو للملك.
لقيت القنا عنه بنفسٍ كريمةٍ ... إلى الموت في الهيجا من العار تهرب
يقول: باشرت القتال عنه بنفسك الكريمة التي تهرب إلى الموت خوفاً من العار، ولا تهرب من الموت.
وقد يترك النّفس الّتي لا تهابه ... ويخترم النّفس الّتي تتهيّب
فاعل يترك ويخترم: ضمير الموت.
يقول: قد ينجو من الموت من لا يخاف منه، وقد يصيب الموت من يحذر منه، فيخترمه.
وما عدم اللاّقوك بأساً وشدّةً ... ولكنّ من لاقوا أشدّ وأنجب
يقول: الذين لقوك في الحرب لم يكونوا ضعافاً جبناء، ولكنهم لقوا من هو أشد منهم وأقدر على قهرهم.
ثناهم، وبرق البيض في البيض صادقٌ ... عليهم، وبرق البيض في البيض خلّب
سللت سيوفاً علّمت كلّ خاطبٍ ... على كلّ عودٍ كيف يدعو ويخطب
يقول: هزمهم لما لقيهم، وكانت سيوفه إذا برقت صدق برقها وعملت السيوف في البيض، وأوعدته أنها تقطعه وتقطع الرءوس التي فيه، وإذا برق البيض للسيوف كذب برقها أنها تمنع لابسها، فبرق سيوفك المسلولة علمت الخطباء في جميع البلاد: أن الواجب عليهم أن يخطبوا في جميع الناس، فخطبوا على كل منبر باسمك.
ويغنيك عمّا ينسب النّاس أنّه ... إليك تناهى المكرمات وتنسب
يقول: وإن لم يكن لك نسب في العرب فأنت أصل المكرمات وإليك نسبها، فأنت أكبر من أن تنسب إلى أب أو جد، وهذا كقول أبي طاهر:
خلائقه للمكرمات مناسبٌ ... إليها تناهى المكرمات وتنسب
وروى: إليها تناها كل مجد مؤثل.
وأيّ قبيلٍ يستحقّك قدره؟ ... معدّ بن عدنان فداك ويعرب
الهاء في قدره للقبيل، وقيل: تعود إلى أي.
يقول: أية قبيلة من العرب تستحق أن تنسب إليها، فأنت أفضل من معد بن عدنان، ويعرب بن قحطان اللذين هما أصل العرب. وهما يفديانك.
وقيل: هذا هجو يريد: إنك عبد لا يعرف لك أصل وحسب.
وما طربي لمّا رأيتك بدعةً ... لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
يقول: ليس سروري - الآن وقد رأيتك - ببدع، فإني كنت أرجو أن أراك فأطرب بمجرد الرجاء فكيف الآن؟! وقد رأيتك.
هذا وإن كان ظاهره مدحاً، فإن باطنه إلى الهزؤ أقرب ورفع فأطرب عطفاً على أرجو ولم يعطفه على أن أرى.
وتعذلني فيك القوافي وهمّتي ... كأنّي بمدحٍ قبل مدحك مذنب
يقول: لامتني القصائد على مدح غيرك، فقالت: لم وضعتني في غير موضعي؟ وكذلك لامتني همتي وقالت: لم اشتغلت بخدمة غيره؟ حتى كأن مدحي لغيرك ذنب أذنبته. وهو كقول أبي تمام:
وهل كنت إلاّ مذنباً يوم أنتحي ... سواك بآمالي فأصبحت تائباً
والمصراع الأول لو لم يضم إليه المصراع الثاني لكان هجواً ظاهراً.
ولكنّه حال الطّريق ولم أزل ... أفتّش عن هذا الكلام وينهب
يقول: إنما مدحت غيرك؛ لأن الطريق حال بيني وبينك، وكنت أتخير لك هذا الكلام لأتعلمه مدحاً لك، والملوك ينتهبونه مني.
وقيل: أراد بالطريق طريق المدح أي كان طريق مدحك بعيد التناول؛ لانتهاء أوصافك في المكارم، فكنت أتفكر في مدحك، وتنهبه الملوك مني، فكان ذلك سبب تأخري عنك.
فشرّق حتّى ليس للشّرق مشرقٌ ... وغرّب حتّى ليس للغرب مغرب
يقول: سار هذا الكلام أي الشعر في الآفاق، فشرق حتى ليس مشرق لأهل الشرق؛ لأن مشارق أهل الشرق كثيرة، فليس بعد الشرق شرق، ولا بعد الغرب غرب، ولو كان وراءهما موضع لسار إليه.
إذا قلته لم يمتنع من وصوله ... جدارٌ معلّى أو خباءٌ مطنّب
يعني: إذا قلت شعراً سار في البدو والحضر، ووصل إلى سكان المدر والوبر فالجدار المعلى لأهل الحضر، والخباء المطنب لأهل الوبر.
واتصل بأبي الطيب أن قوماً نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب، فقال في ذلك ولم ينشدها كافوراً الأسود:
بم التّعلّل؟ لا أهلٌ ولا وطن ... ولا نديمٌ، ولا كأسٌ، ولا سكنه