كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى
فلا يمكنه أن يحفظ دينه ونفسه فيمرغ في نعيم الدنيا فيأكل حلوا ويلبس ناعما يغدو ببلدة ويروح بأخرى فتصير دنياه جنته فينسى الآخرة ويكره الموت وذكره، لا يتهيأ لأحد أسباب التنعم في الدوام من وجه حلال فان المال غاد ورائح والدنيا اقبال وادبار والايام دول يوم لنا ويوم علينا فتغير الاحوال ولا يمكنه كسب الحلال فيقع في الشبهة ثم في الحرام فيحتاج الى خدمة الاتراك وخدمة السلاطين الشياطين فيداهنهم في الدين خوفا على دنياه ويمازحهم رياء ونفاقا وكذبا فيصبح مرائيا مداهنا ليس ورعا قنوعا وتتشعب به الهموم فمن شغل واحد من أشغال الدنيا تنبعث عدة أشغال فإذا فرغ من واد وقع في واد آخر وجعل الله الفقر بين عينيه فلا يتفرغ من محاسبة الفلاحين والاكارين والبقالين الى نفسه فكيف الى ربه، ولا يتفرغ من دنياه فكيف الى آخرته فيصبح حيران ويمسي سكران جيفة بالليل بطال بالنهار سكارى حيارى لا مسلمون ولا نصارى، وأيضا تكثر خصماؤه وحساده فواحد يحسده وآخر يجرد عليه فيفتح عليه أبواب المعاصي من الكذب والغيبة والطعن والحسد لانه آدمي يقوم بمجازاتهم فيضيع وقته وفي ضياع وقته ضياع عمره فان كنت في ريب من هذا فتأمل في حال السلاطين والامراء والرؤساء فان موتهم أكبر وهمومهم أعظم