هذا البيتُ فيه عدةُ وُجوه: منها التلميعُ وهو الضاربين والمانعين، ومنها تجنيسُ اللفظ وهو البَيْضُ والبِيضُ، وتجنيس المعنى وهو البِيض يعني النساء، والأسيافُ جمع سَيْف في القلةِ، والأسياف البيضُ. فكأنه أراد أن يقولَ: والمانعين البِيضَ بالبيض فلم يَسْتَوِ له فقال: والمانعينَ البيض بالأسيافِ. ومنه: المُجَنَّسُ المُطْمع
وهو أن يأتي الشاعرُ بكلمة ثم يبدأ في أختها على وفْقِ حُروفِها فيُطمِعَ في أنه يجيءُ بمثلِها فيُبدِل في آخرِها حرفاً بحرف، وهو حسَنٌ في التجنيس. قال الحطيئة:
مطاعينُ في الهَيْجا مطاعيمُ في الدُّجى ... بَنى لهُمُ آباؤهمْ وبنى الجدُّ
وقال مُزَرِّد:
تُراوِحُ سَلْمى دارَها كلُّ رَعْلَةٍ ... غَرابيبُ كالهندِ الحوافي الحَوافِدِ
وقال أبو كَدْراء العِجْلي:
نهضتُ الى حديدٍ مَشْرَفيٍّ ... حديثِ الصّقلِ مأثورٍ حُسامِ
وقال الخَطيمُ المحرزيّ:
لَياليَ شهرٍ ما أُعرِّسُ ساعةً ... وأيامَ شهرٍ ما أعرِّجُ دائِبِ
أطمَعَ أنه يُجنس أعرِّس فقال أعرِّج فأبدلَ الجيمَ من السّين. فاللفظ تجنيسٌ ممُطمِع، والمعنى تطبيق، لأن التعريسَ في آخر الليلِ والتعريجَ في آخر النهار. وقال أبو بكر بن حَنظَلة العَنْزيّ:
مُفيدٌ مُفيتٌ ما تجيءُ دراهمي ... إذا جِئنَ إلا عابراتِ سبيلِ
هذا مُجنَّسٌ مطمِع مطابِقُ المعنى واللفظ، وذلك أنّ المفيد الجامع والمفيت المفرِّق، ومنه:
التجنيس المُبذَل
وهو قريب من المُطْمِع. قال الزِّبْرَقان بن بدر:
فُرْسانُ صِدْقٍ في الصباحِ إذا ... كثُرَ الصِّياحُ ولُجَّ في النَّفْرِ
أبدلَ الياءَ من الباء. وقال علْقَمةُ بن عَبَدَة:
أطعْتَ المُشاةَ والوُشاةَ بصَرْمِها ... فقد وهنتْ أسبابُها للتّقَضُّبِ
أبدلَ الواوَ من الميم. وقال العُدَيْل:
أخا شُقّةٍ قد شفّهُ دَلَجُ السُّرَى ... يَبيتُ يرومُ الهَمَّ كلَّ مَرامِ
أبدلَ الفاء من القافِ. وقال خُفافُ بن نَدْبَة:
بالضّابِطِ الضابعِ تقريبُهُ ... إذْ وَنَتِ الخيلُ وذو الشاهِدِ
أبدلَ العينَ من الطاء. وقال جوّاسُ بنُ القَعْطَل:
شهدتُ لها وغابَ أبو بُرَيْدٍ ... مجالسَ لو رآها الشيخُ غارا
غابَ وغارَ أبدلَ الراءَ من الباء. وقال عمرو بن شَأس:
نحنُ الذينَ لحِلْمِنا فضْلُ ... قِدْماً وعندَ خطيبنا فَصْلُ
أبدل الصادَ من الضادِ. وقال عِمْران بن حِطّان:
إنْ تَقُدْهُ تقُدْ شَديداً سَديداً ... فهو يمشي كمِشْيَةِ المُخْتالِ
أبدلَ السّينَ من الشين. وقال كعبُ بن جُعَيْل:
فتسْمَحُ لي بالدمعِ حُزْناً لذكرِهِ ... وتسفحُ منه لا بكيئاً ولا نَزْرا
أبدلَ الفاءَ من الميم. وقال أبو حيّة النُّمَيْريّ:
وكأنّما جُعِلَتْ لهُنّ رَوادِفاً ... كُثُبٌ رواجفُ من سَماءِ جُرادِ
جُرادُ اسمُ رملةٍ. أبدلَ الجيمَ في رواجف منَ الدال في روادف.
وقال المُلَيْحُ الهذليّ:
أفي أربُعٍ فيهنّ للريحِ مَدْرَجٌ ... ومَغْدًى على معروفهِنّ ومَدْلَجُ
أبدلَ اللامَ في مَدْلجٍ من الرّاء في مَدْرَجٍ. وقال معْنُ بن أوسٍ:
وقد قُلتُ إذ قامَتْ وقالتْ فأعْرَضَتْ ... تجُرُّ قَشيباً من حَبيرٍ ومِجْسَدا
أبدل اللامَ في قالت من الميم في قامَتْ.
والشعرُ في هذا الباب كثيرٌ وفيما نذكرُه من الأمثلةِ وفي غيره مَقْنَعٌ لمن أراد، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. ومنه:
المجنس المختلف
أنشدَني اليَزيديّ:
بكرومٍ وبدورٍ وقَنا ... تتثنّى فوقَ كُثْبانِ النَّقا
قنا ونقا مجنَّس مختلف.
وقال الحارثُ بن خالد المخزومي:
وكَلِفْتُ منهنّ الغَدةَ بغادةٍ ... ممْكورةٍ جُدِلَتْ كجَدْلِ عِنانِ
وقال أبو دَهْبَل:
قد كانَ في آلِ موسى قبْلَهُ جسَدٌ ... عِجْلٌ إذا خارَ فيهم خَوْرَةً سَجَدوا
وقال حُمَيْد بنُ ثوْرٍ:
نضعُ الزيارةَ حيثُ لا يُزري بنا ... شَرَفُ المُلوكِ ولا يَخيبُ الزُوَّرُ