قومٌ إذا الشرُّ أبْدى ناجِذَيْهِ لهُمْ ... طاروا إليه زَرافاتٍ ووِحدانا
وأنشد الأصمعي:
وما زِلتُ أرْشو الدّهرَ صَبْراً على التي ... تَسوءُ الى أن سرّني فيكُمُ الدّهْرُ
جعل الصبْرَ رِشوةَ للدهر ليُعينَه وهي استعارة حسنة. وقال قُرْطُ بن حارثة العامري الكلبي:
إنّما شيّبَ الذُؤابةَ مني ... وشجاني تناصرُ الأحزانِ
الاستعارةُ في تناصر. وقال أبو دَهْبَل الجُمَحي:
أقول والرّكْبُ قد مالَتْ عمائِمُهمْ ... وقد سَقى القومَ كأس النّشوةِ السّمَرُ
وقال ذو الرمة:
سقاهُ الكَرى كأسَ النُعاسِ فرأسُهُ ... لدِين الكَرى من آخِر الليل ساجِدُ
وقال حمزة بن بَيْض الحنَفيّ:
وأقام في رأسي المشيبُ فراعَني ... ضيفٌ لَعَمْرُ أبيكَ ليسَ برائِمِ
وحنَى قناتي ثمّ وتّر قوسَه ... ورَمى بأسْهُمِهِ فشكّ قوائِمي
وقال الأفوهُ الأْوديّ:
إنما نِعْمةُ قومٍ مُتعَةٌ ... وحياةُ المرءِ ثوْبٌ مُستعار
جعل الحياةَ ثوباً وجعله مُسْتعاراً. وقال ابنُ ميّادة يصف الألحاظ:
وبَرَيْنَ، لمّا أن أردْنَ نِضالَنا ... نَبْلاً بلا ريشٍ ولا بِقداحِ
لما استقرّ النبلُ للحظ استعار النضال والريشَ، والقرينة هنا لفظيّة. وقال الآخر:
أخذْنا بأطرافِ الأحاديثِ بيننا ... وسالَتْ بأعناقِ المطيِّ الأباطِحُ
وقال عمر بن أبي ربيعة المخْزومي:
وهْيَ مكنونةٌ تحيّرَ منها ... في أديمِ الخدّيْنِ ماءُ الشّبابِ
وأنشد ثعْلَب:
إذا ما أتاهُ السائِلونَ توقّدَتْ ... عليهِ مصابيحُ الطّلاقَةِ والبِشْرُ
وقال مِحْجَن بن عُطارِد العنْبري:
تُحدّثُني أنّ البليّةَ قد أتَتْ ... وأنّ سِنينَ المحْلِ قد صاحَ هامُها
وهذه استعارة حسنة. والاستعاراتُ في المنظوم والمنثور تتجاوز حدَّ كل حدٍ محصور، فيما أتينا به مَقْنَع.
ومن الألقاب المقدّم ذكرها: باب التشبيه
قال أبو عمرو بن العلاء: وقال الأصمعي: أحسنُ التشبيه ما كان فيه تشبيهان في تشبيهين، كقول امرئ القيس:
كأنّ قلوبَ الطّيرِ رطْباً ويابِساً ... لدى وَكْرِها العُنّابُ والحشَفُ البالي
وإنما خصّ قلوبَ الطير لأنها أطيبُها، وقيل: إن الجارحَ إذا صاد الطائرَ أتى بقلبه الى فِراخِه طُعْماً دون باقي لحمِه، فلا يزالُ في وَكْرِه من قلوب الطير طريٌّ وقديمٌ لكثرة صيدِه، كما قال أبو زبيد الطائي:
يظَلُّ مُغِبّاً عندَه من فرائِسٍ ... رُفاتُ حُطامٍ أن أو غريضٌ مُشَرْشَرُ
رفاتٌ قديمة، وغريضٌ طري.
وقال الأصمعي: إنّ الجارحَ يأتي بالصّيد الى وَكره فيأكلُ لحمَه ويتركُ قلبَه فما يبْرَح في وَكره من قلوب الطير رطبٌ ويابس، لهذه العلّة خصّ قلوبَ الطيرِ دون غيرها. وقال بشارُ بن برد: ما زلت منذ سمعت بيتَ امرئ القيس أحاول أن أقارب تشبيهين بتشبيهين فلا أستطيعُ حتى قلت:
كأنّ مُثارَ النّقْعِ فوقَ رؤوسِهمْ ... وأسيافنا، ليلٌ تهاوَتْ كواكِبُهْ
أخذَه بشّار من قول كُلثوم العتّابي:
تبْني سنابِكُها من فوقِ هامِهمُ ... سَقفاً كواكِبُهُ البيضُ المَباتيرُ
وحكى الأصمعيُّ قال: استدعاني الرشيدُ بعضَ الأيامِ فراعني رُسُلُه، ولم أفتأْ أنْ مثُلْتُ بحَضرتِه، وإذا في المجلس يحيى بن خالد وجعفر والفضل. فاستدناني فدنوتُ، وتبيّن ما عَراني من الوجَل فقال: ليُفْرِخْ روْعُك، فما أردْناكَ إلا لما يُراد له أمثالُك. فمكثتُ الى أن ثابَتْ إليّ نفسي، ثمّ بسَطني وقال: إني نازعتُ هؤلاء، وأشار الى يحيى وجعفر والفضل، في أشعَر بيت قالَتْه العربُ في التشبيه، ولم يقعْ إجماعُنا على بيت يكون الإيماءُ إليه دون غيره، فأردناك لفصْلِ هذه القضية واجتناء ثمَرةِ الخِطار فقلت: يا أمير المؤمنين، إن التعيينَ على بيت واحد في نوع واحد قد توسّعَتْ فيه الشعراء ونصبَتْهُ مَعْلماً لأفكارها ومَسرَحاً لخواطرِها، لَبَعيدٌ أن يقعَ النصُّ عليه، ولكنّ أحسن الشعراء تشبيهاً امرؤ القيس. قال: في ماذا؟ قلت: في قوله: