وإنْ بابُ أمرٍ عليكَ التوَى ... فشاوِرْ لبيباً ولا تَعصِه
فالواو التي في توصِه رِدفٌ، والصاد حرف الروي، وابيت الثاني لي بمُردَف، فهذا سِناد، وهو عيب قبيح قلّما جاء. وقال الخليلُ بن أحمد: رتَّبْتُ البيت من الشعر ترتيب البيت من الشَّعَر يريد الخِباء، قال: فسمّيْتُ الإقواء ما جاء من المرفوع في الشِّعر والمخفوض على قافية واحدة. وإنما سمّيتُه إقواءً لمخالفته، لأن العرب تقول: أقوى الفاتلُ إذا جاءت قوّةٌ من الحبل تخالفُ سائِرَ القُوى. قال: وسمّيْت تغيُّرَ ما قبل حرفِ الرَويّ سِنادا؛ من مساندة بيت الى بيت إذا كان كلُّ واحدٍ منهما مُلقىً على صاحبه، ليس هو مستوياً كهذا، قال: وسمّيْتُ الإكفاءَ ما اضطربَ حرفُ رَويّه فجاء مرةً نوناً ومرة ميماً ومرة لاماً، وتفعل العرب ذلك لقُربِ مَخْرج الميم من النون، كقوله:
بناتُ وطّاءٍ على خدِّ الليلْ ... لا يشتكينَ ألماً ما انْقَيْنْ
مأخوذ من قولهم: بيت مُكفأ إذا اختلفَتْ شِقاقُه التي في مؤخَّره والكفاء: الشقة في مؤخر البيت. والإيطاء ردُّ القافية مرتين، كقوله:
ويُخزيكَ يا ابنَ القَيْنِ أيامُ دارِمِ ... وعمرو بنُ عمروٍ إذ دَعا يالَ دارِمِ
أوطأ قافيةً على قافيةٍ سماهُ إيطاء.
وأما التَضمين فهو أن يُبنى البيتُ على كلامٍ يكون معناه في بيت يتلوهُ من بعدِه مُقتضِياً له. كقول الشاعر:
وسعْدٌ فسائِلْهُم والرِّبابُ ... وسائلْ هَوازنَ عنّ إذا ما
لَقيناهُمُ كيف تعلوهُمُ ... بَواتِرُ يَفْرينَ بَيْضاً وهاما
وكل هذه العيوب لا يجوز للمولدين ارتكابُها لأنهم قد عرَفوا قُبْحَها، وشاهَدوا في غيرهم لذْعها ولَفْحَها، والبدوي لم يأبَه لها.
ومما لا يجوز للمولّد استعمالُه كسْرُ نونِ الجمع في مثل قول جرير:
عَرينٌ من عُرَينَةَ ليس منا ... برِئْتُ الى عُرَيْنَةَ من عَرينِ
عرَفْنا جعفراً وبني عُبَيدٍ ... وأنكرْنا زعانفَ آخرينِ
وهذا لحْن، وصوابه آخرين، مفتوح النون. وقال سُحَيم بن وَثيل:
عذَرْتُ البُزْلَ إنْ هيَ خاطرَتْني ... فما بالي وبالُ ابْنَيْ لَبونِ
وماذا يَدَّري الشُّعراءُ منّي ... وقد جاوزْتُ رأسَ الأربعينِ
والصواب فتحُ نون الأربعين. وقال الفرزدق يخاطبُ الحجاج بن يوسف لمّا أتاه نَعْي أخيه محمد في اليوم الذي مات فيه ابنُه محمد:
إنّي لَباكٍ على ابني يوسفٍ جزَعاً ... ومثلُ فقدِهِما للدين يُبْكيني
ما سدّ حيٌّ ولا ميْتٌ مسَدَّهُما ... إلا الخلائِفُ من بعْدِ النبيين
فكسر نون النبيين، والصواب فتحها. وللمبرّد على ذلك كلام. وكل هذا لا يجوز للمولّد الحذو عليه ولا الاحتجاجُ به. ولذلك يقول السيّد الحِمْيَري:
وإنّ لساني مِقْوَلٌ لا يخونُني ... وإني لما آتي من الأمرِ مُتْقِنُ
أحوكُ ولا أقْوي ولستُ بلاحِنٍ ... وكم قائلٍ للشعرِ يُقْوي ويَلْحَنُ
وقال عديُّ بن الرِّقاع:
وقصيدةٍ قد بتُّ أجمَعُ بينَها ... حتى أقوِّمَ مَيْلَها وسِنادَها
نظرَ المثقِّفِ في كُعوبِ قَناتِه ... حتى يُقيمَ ثِقافُه مُنْآدَها
وأنشد أبو بكر الصولي قال: أنشدني عون بن محمد الكندي لبعضِهم وملّح:
لقد كان في عينيكَ يا عمروُ شاغِلٌ ... وأنفٌ كَثيلِ العَوْدِ عمّا تتَبَّعُ
تتبّعتَ لحناً في كلامِ مُرَقِّشٍ ... ووجهُكَ مبنيٌّ على اللحنِ أجمعُ
فعيناكَ إقواءٌ وأنفُكَ مُكْفأٌ ... ووجهُك إيطاءٌ فأنتَ المُرقّعُ
ويُروى:
أذناكَ إقواءٌ وأنفُك مُكْفأ ... وعيناكَ إيطاءٌ فأنتَ المُرقَّعُ
وقال ابن جُريْج في سوّار بن أبي شُراعة:
وذكرُكَ في الشّعرِ مثل السنا ... دِ والخَرْمِ والخزْمِ أو كالمُحالِ
وإيطاءُ شعرٍ وإكافؤهُ ... وإقواؤهُ دون ذِكرِ الرُّذالِ
وما عيبَ شِعْرٌ بعَيْبٍ له ... كأنْ يُبْتَلى برِجالِ السَّفالِ