نام کتاب : نور الطرف ونور الظرف نویسنده : الحُصري القيرواني جلد : 1 صفحه : 42
قال وهب بن ناجية الرصافي: كنت أحد من وقعت عليه التهمة في مال مر أيام الواثق، فطلبني السلطان طلباً شديداً، حتى ضاقت علي الرصافة وغيرها فخرجت أريد البادية مرتاداً رجلاً عزيز الجار، منيع الدار، أعوذ به، وأنزل عليه، حتى انتهيت إلى بني شيبان، فدفعت إلى بيت مضروب، وبفنائه فرس مربوط، ورمح مركوز، فدنوت وسلمت، فرد علي نساء من وراء السجف، ثم قالت إحداهن: اطمئن يا حضري، نعم مناخ الضيفان بوأك القدر، ومهدك الصبر، قلت: وأنى يطمئن المطلوب، أو يأمن المرعوب [من] دون أن يأوي إلى جبل يعصمه أو مفزع يمنعه، وقليلاً ما يهجع من السلطان طالبه، والخوف غالبه، قالت: لقد ترجم لسانك عن ذنب كبير، وقلب صغير، وأيم الله لقد حللت بفناء بيت لا يضام فيه أحد، ولا تجوع فيه كبد، هذا الأسود بن قنان، أخواله كعب، وأعمامه شيبان، صعلوك الحي في ماله، وسيدهم في فعاله، له صدق الجوار، وطلب الثأر، ووقود النار، لا ينازع ولا يقارع، وبهذا وصفته أمامة بنت سعد حيث تقول:
إذا شئت أن تلقى فتى لو وزنته ... بكل معدي وكل يمان
وفى بهما جوداً وبأساً وسؤدداً ... ورأياً فهذا الأسود بن قنان
أعز ابن أنثى من معد ويعرب ... وأكرمهم فعلاً بكل مكان
فتى لا ترى في ساحة الأرض مثله ... ليوم نزال أو ليوم طعان
قلت: لقد أذهبت اللوعة، وسكنت الروعة، فمن لي به، قالت: يا جارية مولاك، فلم تلبث أن عادت وهو معها في جماعة من قومه، فقال: أي المنعمين علينا أنت؟ فسبقت المرأة وقالت: يا أبا المرهف هذا الرجل نبت [به] أوطانه، وأزعجه زمانه، وأوحشه سلطانه، وقد ضمنا له عنك، ما يضمن لمثله عن مثلك، فقال: بل الله فاك، أشهدكم يا بني أبي أن هذا الرجل في جواري وذمتي، فمن أراده فقد أرادني، ومن كاده فقد كادني، ثم أمر ببيت، فضرب إلى جانبه، وقال: هذا بيتك، وهذا مالك، وأنا جارك، وهؤلاء رجالك، فلم أزل بينهم في أعز دار، وأحسن جوار، إلى أن سرت عنهم.
ومدح ألأعرابي قوماً فقال: أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي قطع الناس به مسافة آجالهم، فدلت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال وابتاعوا المحامد بالمال.
وقصد أعرابي من بني كلاب رجلاً منهم، يكنى أبا معاذ، فسئل عنه بعد انصرافه فقال: لقد رأيت أبا معاذ خير ملاذ، ولذت منه بأكرم معاذ، وأحمدت بلقائه عاقبة الإغذاذ.
ومن ألفاظ أهل العصر في المدح: فلان مسترضع ثدي المجد، مفترش حجر الفضل، له فضل يشير إليه النجم الثاقب، وتحفظ طرفيه المناقب، له صدر تضيق عنه الدهناء، وتفزع إليه الدهماء، له في كل مكرمة غرة الإيضاح والأوضاح، وفي كل فضيلة قادمة الجناح، له صورة تستنطق الأفواه بالتسبيح، وغرة يترقرق منها ماء الكرم الصريح، وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم، يحيي القلوب بلقائه، قبل أن يميت الفقر بعطائه، له خلق لو مزج به [ماء] البحر لنقى ملوحته، وكفى كدورته، وهو غذاء الحياة، ونسيم العيس، ومادة الفضل، وآراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب، له همة تعزل السماك الأعزل، وتجر ذيلها على المجرة، وهو راجح في موازين العدل، سابق في ميادين الفضل، يفترع أبكار المكارم، ويرفع منار المحاسن، ينابيع الجود تنفجر من أنامله، وربيع السماح يضحك عن فواضله، هو بيت القصيدة، وأول الجريدة، وعين الكتيبة، وواسطة القلادة، وإنسان الحدقة، ودرة التاج، ونقش الفص، وهو ملح الأرض، ودرع الملة، ولسان الشريعة، وحصن الأمة، هو غرة الزمان، وناظر الإنسان، أخلاق خلقن من الفضل، وشيم تشام بها، بوارق المجد، أرخ الرجال بفضله وعقم النساء عن مثله. البذل منه معتاد، والفضل منه مبدأ ومعاد، ماله للعفاة مباح، وفعاله في ظلمة الدهر مصباح، كأن قلبه عين، وكأن حسه سمع، جوهره من جواهر الشرف، لا من جواهر الصدف، وياقوته من يواقيت الأحرار، لا من يواقيت الأحجار.
ولهم في نقيض ذلك:
نام کتاب : نور الطرف ونور الظرف نویسنده : الحُصري القيرواني جلد : 1 صفحه : 42