والأمر الثاني: أن هذا الأمر الذي أنكروا علي وأبغضوني وعادوني من أجله إذا سألوا عنه كل عالم في الشام واليمن، أو غيرهم يقول: هذا هو الحق وهو دين الله ورسوله؛ ولكن ما أقدر أظهره في مكاني لأجل أن الدولة [1] ما يرضون، وابن عبد الوهاب أظهره؛ لأن الحاكم في بلده ما أنكره بل لما عرف الحق اتبعه، هذا كلام العلماء وأظنه وصلك كلامهم.
فأنت: تفكر في الأمر الأول وهو قولي: لا تطيعوني ولا تطيعوا إلا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم، وتفكر في الأمر الثاني: أن كل عاقل مقر به لكن ما يقدر يظهره، فقدم لنفسك ما ينجيك عند الله، واعلم أنه ما ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والدنيا زائلة، والجنة والنار ما ينبغي للعاقل أن ينساهما.
وصورة الأمر الصحيح، أني أقول: ما يُدعى إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى في كتابه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] [سورة الجن، آية: 18] ، وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن: 21] [سورة الجن، آية: 21] فهذا كلام الله والذي ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصانا به، ونهى الناس لا يدعونه فلما ذكرت لهم: أن هذه المقامات التي في الشام والحرمين وغيرها أنها على خلاف أمر الله ورسوله وأن دعوة الصالحين، والتعلق عليهم، هو الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] [سورة المائدة، آية: 72] فلما أظهرت هذا: أنكروه وكبر عليهم؛ وقالوا: أجعلتنا مشركين؟ وهذا ليس إشراكاً، هذا كلامهم وهذا كلامي، أسنده عن الله ورسوله وهذا هو الذي بيني وبينكم، فإن ذكر شيء غير هذا فهو كذب وبهتان، والذي يصدق كلامي هذا أن العالم ما يقدر يظهره حتى من علماء الشام من يقول: هذا هو الحق ولكن لا يظهره إلا من يحارب الدولة؛ وأنت -ولله الحمد- ما تخاف إلاّ الله، نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى دين الله ورسوله، والله أعلم» [2] . [1] يعني الدولة العثمانية حيث مالت في آخر عهدها إلى التصوف وبدع القبور وبناء المساجد والقباب عليها، وبناء المشاهد ونحوها. [2] الدرر السنية (1 - 91) .