وبالجملة فالذي أنكره: الاعتقاد في غير الله، مما لا يجوز لغيره؛ فإن كنت قلته من عندي، فارم به؛ أو من كتاب لقيته، ليس عليه عمل، فارم به كذلك؛ أو نقلته عن أهل مذهبي، فارم به، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله، وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه؛ لأجل أهل زمانه، أو أهل بلده، وأنّ أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه.
واعلم أن الأدلة على هذا، من كلام الله وكلام رسوله كثيرة، لكن: أنا أمثل لك بدليل واحد، ينبهك على غيره، قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56 - 57] [سورة الإسراء، آية: 56، 57] ذكر المفسرون في تفسيرها: أن جماعة كانوا يعتقدون في عيسى - عليه السلام - وعزير؛ فقال تعالى: هؤلاء عبيدي، كما أنتم عبيدي، ويرجون رحمتي، كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي، كما تخافون عذابي.
فيا عباد الله: تَفَكَّرُوا في كلام ربّكم، تبارك وتعالى، إذا كان ذكر عن الكفار، الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن دينهم الذي كفرهم به، هو الاعتقاد في الصالحين؛ وإلا فالكفار يخافون الله، ويرجونه، ويحجون، ويتصدقون، ولكنهم كفروا بالاعتقاد في الصالحين؛ وهم يقولون: إنما اعتقدنا فيهم، ليقربونا إلى الله زلفى، يشفعوا لنا، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] [سورة الزمر، آية: 3] ، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا} [يونس: 18] [سورة يونس، آية: 18] .
فيا عباد الله: إذا كان الله ذكر في كتابه، أن دين الكفار، هو الاعتقاد في الصالحين؛ وذكر أنهم اعتقدوا فيهم ودعوهم وندبوهم؛ لأجل أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، هل بعد هذا البيان، بيان؟ فإذا كان من اعتقد في عيسى ابن مريم، مع أنه نبي من الأنبياء، وندبه ونخاه [1] فقد كفر؛ فكيف بمن يعتقدون في الشياطين، كالكلب: أبي حديدة، [1] نخاه، أي: استغاث به واستنجد.