ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتًا أو غائبًا من الأنبياء أو الصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرهما فقد فعل الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
ومعلوم أن هؤلاء كلهم يجعلونهم وسائط فيما يقدره الله بأفعالهم، ومع هذا فقد نهى عن دعائهم وبيَّن أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله لا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع كتغيير صفته أو قدره.
ولهذا قال: (ولا تحويلا) فذكر نكرة تعم أنواع التحويل فكل من دعا ميتًا أو غائبًا من الأنبياء والصالحين أو دعا الملائكة أو الجن فقد دعا من لا يُغيث ولا يملك كشف ضره ولا تحويله، وقد قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6] [سورة الجن، آية: 6] وقد نص الأئمة كأحمد وغيره على أن لا يجوز الاستغاثة بمخلوق. وهذا مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق، قالوا: لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ بكلمات الله وأمر بذلك، فدل على أن كلمات الله غير مخلوقة، وأنها صفة من صفاته؛ لأن الاستغاثة بالمخلوق لا تجوز.
والمقصود أن يعلم السائل وفقه الله تعالى أن الاستغاثة بالمخلوق في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من كشف الكربات وإغاثة اللهفات وإجابة الدعوات من الشرك الذي لا يغفره الله وهو من الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث قال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] [سورة النساء، آية: 171] ، وقال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] [سورة المائدة، آية 77] .
والغلو في الصالحين هو من فعل المشركين كما حكاه – سبحانه وتعالى - عن قوم نوح في قوله: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ} [نوح: 23] [سورة نوح، آية: 23] الآية. قال ابن عباس - رضي الله عنه - «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كان يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تُعْبَد حتى إذا هلك أولئك ونُسِيَ العلم عُبِدَتْ» [1] . [1] رواه البخاري (4920) .