العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة، فأي مخالفة في هذا القدر؟ اهـ.
ثم قال صاحب الجيش: هذا ما حدث به أولئك المذكورون، سمعنا ذلك من بعضهم جماعة، ثم سألنا الباقي أفرادا فاتفق خبرهم على ذلك " اهـ.
وذكر المؤلف (صاحب الاستقصاء) بعد هذا الخبر بحثا في زيارة القبور، رجح فيه القول بمنع زيارة الأولياء سدا للذريعة مع بيان العلة، وإشهارها بين الناس، وذكر أن سلطان المغرب المولى سليمان - رحمه الله - كان يرى هذا، وألف فيه رسالته المشهورة " [1] .
ويقول عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه نقلا عن بعض أكابر جيش محمد علي باشا الذين هزمهم أتباع الدعوة في الحجاز سنة 1227 هـ:
" ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع: أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهبا، وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا أذان، ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين؟ والقوم [2] إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف، فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته، وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون، المستبيحين الزنا واللواط، الشاربين الخمور، التاركين للصلاة، الآكلين الربا، القاتلين الأنفس، المستحلين المحرمات، وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفا غير مختونين، ولما وصلوا [3] بدرا واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف، وبها خيار الناس، وبها أهل العلم الصلحاء، نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم، فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون: هؤلاء الكفار الخوارج [4] حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء [1] الوهابيون والحجاز لمحمد رشيد رضا (37 - 39) . [2] يعني السعوديين. [3] يعني عسكر خصوم الدعوة. [4] أكثر الخصوم يأخذون على أتباع الدعوة وصف بعض خصومهم بالكفر والشرك لمن قد يستحق هذا الوصف بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يتورعون عن إطلاق الكفر والخروج - كما في هذا النص - على أتباع الدعوة الذين هم أبعد عن هذه الأوصاف في واقع الحال.