بأهله وبعد بهم كانت الفتن أشد ومصائبها أعظم، كما شهدت بذلك نصوص الشرع، ودلت عليه الحوادث والوقائع، فعن الزبير بن عدي قال: «أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقي من الحجاج فقال: " اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم» [1] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» [2] .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل [3] ومنا من هو في جشره [4] إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرقق [5] بعضها بعضا، [1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الفتن، (8 / 89، 90) . [2] (أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان 1 / 110) . [3] ينتضل: من المناضلة، والمناضلة: المقاتلة والمدافعة، وأصله من النضال: الرمي بالسهام، يقال: ناضلته فنضلته: أي راميته فغلبته. منال الطالب في شرح طوال الغرائب ص (117) . [4] الجشر: بفتح الجيم والشين، هم قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم، ولا يأوون إلى البيوت. النهاية في غريب الحديث (1 / 273) . [5] قال النووي - رحمه الله -: هذه اللفظة رويت على أوجه: أحدها - وهو الذي نقله القاضي عياض عن جمهور الرواة -: يرقق بضم الياء وفتح الراء وبقافين: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقا، وقيل: معناه: يثبه بعضها بعضا، وقيل: يدور بعضها في بعض، ويذهب ويجيء، وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والوجه الثاني: فيرفق: بفتح الياء وإسكان الراء وبعدها فاء مضمومة، والثالث: فيدفق بالدال المهملة الساكنة وبالفاء المكسورة أي يدفع ويصب، والدفق هو الصب.
شرح صحيح مسلم للنووي (12 / 233) .