قال الخطابي - رحمه الله -: " هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا، والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا. هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار، خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج [1] والجهمية [2] وبعض المعتزلة [3] وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود، ولكن الذي يدعي مخارق وخيالات لا حقائق لها. وزعموا أنه لو كان حقًّا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلى الله عليه وسلم [1] الخوارج: هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عام 37 هـ، ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي - رضي الله عنهما - كما أجمعوا - عدا النجدات منهم - على تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار إذا مات مصرا عليها، وقد ورد في ذمهم والترغيب في قتالهم أحاديث صحيحة مرفوعة، وقد افترقوا على نحو عشرين فرقة، ومن أسمائهم أيضا الحرورية. انظر: مقالات الإسلاميين (1 / 167) ، وتلبيس إبليس ص (9) ، والملل والنحل (1 / 114) . [2] الجهمية هم أتباع الجهم بن صفوان الذي قال: بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات لها، وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط وأن الكفر هو الجهل به، وزعم أيضا أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان. انظر: مقالات الإسلامين (1 / 338) ، الفرق بين الفرق ص (211) ، والملل والنحل (1 / 76) . [3] المعتزلة: سموا بذلك لاعتزال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد - من رؤسائهم - مجلس الحسن البصري لقولهما بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، وقيل سموا معتزلة لاعتزالهم منهج أهل السنة والجماعة، ومن عقائدهم إنكار جميع صفات الله، والقول بأن القرآن محدث، وأن الله لا يرى في الآخرة، وتصل فرقهم إلى حوالي عشرين فرقة، انظر: مقالات الإسلاميين (1 / 235) ، الفرق بين الفرق ص (11) ، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص (49) .