، وهذا غلط من جميعهم؛ لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له، وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله، ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفا من أذاه؛ لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله. وأما أهل التوفيق فلا يغترون ولا يخدعون بما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذوبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول الذي يقتله ثم يحييه: ما ازددت فيك إلا بصيرة " [1] .
وقد دلت الأحاديث علي أن المسيح الدجال يدخل كل بلد إلا مكة والمدينة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق» [2] .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: " قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال» هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذ ابن حزم [3] فقال: المراد: إلا يدخله بعثه وجنوده، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر سنة " [4] . [1] شرح صحيح مسلم للنووي (18 / 58 - 59) . [2] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الفتن (8 / 102) . [3] أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي، المحدث الفقيه، كان شافعيا ثم تركه إلى القول بالظاهر، له مؤلفات كثيرة منها: المحلى، الفصل في الملل والأهواء والنحل، توفي سنة 456 هـ.
وفيات الأعيان (3 / 325) ، سير أعلام النبلاء (18 / 184) . [4] فتح الباري (4 / 96) .