فبعد أن كان الإمام أبو حنيفة في الكلام رأسا فيه، وصاحب حلقة مشهودة في المسجد بقرب حلقة حماد بن أبي سليمان تحول إلى تلميذ من تلامذة حماد بن أبي سليمان يطلب الفقه والسنة. ومن مادح لعلم الكلام، وحاثّ على تعليمه وتعلمه، إلى ذام وقادح فيه وناه عن تعليمه وتعلمه، وبعد أن كان يأمر ابنه حمادا بتعلم علم الكلام، ويلح عليه في سبيل تحصيله أصبح ينهاه ويأمره بترك الاشتغال بالكلام والجدل.
يحدثنا حماد عن ذلك فيقول: "دخل عليّ أبي رحمه الله يوما وعندي جماعة من أصحاب الكلام ونحن نتناظر في باب ... قد علت أصواتنا فلما سمعت حسه في الدار خرجت إليه فقال لي: يا حماد من عندك؟ قلت: فلان وفلان وفلان سميت من كان عندي قال: وفيم أنتم؟ قلت: في باب كذا وكذا، فقال لي: يا حماد دع الكلام ـ قال: ولم أعهد أبي صاحب تخليط، ولا ممن يأمر بالشيء ثم ينهى عنه ـ فقلت له: يا أبت ألست كنت تأمرني به؟ قال: بلى يا بني وأنا اليوم أنهاك عنه. قلت: ولم ذاك؟ فقال: يا بني إن هؤلاء المختلفين في أبواب الكلام ممن ترى كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم، فألقى بينهم العداوة والاختلاف فتباينوا ... " [1].
وبعد ما كان يرى الكلام هو الفقه الأكبر، وهو من أجل العلوم، أصبح يرى مسائل الكلام ما هي إلا مقالات الفلاسفة، وهي من الأمور المحدثة التي لم يتكلم فيها السلف، وكل أمر محدث في الدين بدعة.
سئل الإمام أبو حنيفة عما أحدثه الناس من الكلام في الأعراض 2 [1] مناقب أبي حنيفة للمكي ص183، 184.
2 الأعراض: جمع عرض ومعناه لغة: هو الظهور والبروز. قال الجوهري: عرض له أمر كذا يعرِض، أي ظهر وعرضت عليه أمر كذا وعرضت له الشيء، أي =