يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: "فاعلم أن الأدلة أربعة: حجة العقل، والكتاب والسنة، والإجماع، ومعرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة العقل" [1]، وقال: "إن سأل سائل فقال: ما أول واجب أوجب الله عليك؟ فقل: النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى، لأنه تعالى لا يعرف ضرورة ولا بالمشهادة فيجب أن نعرفه بالتفكير والنظر" 2.
فقولهم: إن أول واجب هو النظر مخالف للصواب، فالقرآن ليس فيه أن النظر أول الواجبات، ولا فيه إيجاب النظر على كل أحد، وإنما فيه أمر العباد [3] بالنظر في خلق السموات والأرض.
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} "سورة الروم: الآية8".
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدْع أحدا من الخلق إلى النظر ابتداء ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما دلهم إليه الشهادتان [4] وبذلك أمر أصحابه، من ذلك قوله لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ... " [5].
قال ابن المنذر: "أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن [1] شرح الأصول الخمسة ص88.
2شرح الأصول الخمسة ص39. [3] انظر درء تعارض العقل والنقل 8/8. [4] انظر درء تعارض العقل والنقل 8/6. [5] تقدم تخريجه ص210.