جعلوا الإقرار شرطا لإجراء الأحكام الدنيوية فقط [1].
وهذا النوع من الإرجاء الغالي.
خامسا ـ القدر
لم تختلف الماتريدية في مسائل القدر عن الإمام أبي حنيفة ولا عن بقية السلف وهذا من حسناتهم التي يشكرون عليها، وهم يثبتون أن الخير والشر من الله تعالى وإن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، وأن أفعال العباد من خير وشر، خلقُ الله تعالى، وأن للعباد أفعالا اختيارية يثابون عليها ويعاقبون عليها، وأن العبد مختار في أفعاله التكليفية وله قدرة عليها، وليس مجبورا بفعلها، فهو يفعل الخير والشر بقدرته التي منحه الله إياها. ولا شكّ أنه فرّق بين حركة المرتعش والباطش فالأول بدون اختياره والثاني على اختياره. وصرّحوا بأن أفعال العباد خلق الله وبكسبهم واختيارهم وقدرتهم وإرادتهم، ومن أحسن من حرّر هذا الموضوع عمر النسفي أحد أئمة الماتريدية وفصّله التفتازاني شارحا لكلامه، حيث قال: "والله تعالى خالق لأفعال العباد من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان لا كما زعمت المعتزلة أن العبد خالق لأفعاله".
وقال: "وهي أفعال العباد كلها ومشيئته تعالى وتقدس ... وحكمه وقضيّته أي قضاءه ... وتقديره وهو تحديد كل مخلوق بحدّه الذي [1] شرح الضوء اللامع ص19-20؛ والتمهيد لأبي المعين النسفي ص26/ب؛ والعمدة، لحافظ الدين النسفي ص17/أ؛ وشرح العقائد النسفية ص121؛ وشرح المقاصد ص5/178-179؛ الطبعة الجديدة كلاهما للتفتازاني، والمسايرة مع المسامرة ص334؛ ونشر الطوالع ص374-375؛ والجوهرة المنيفة ص3؛ ومختصر شرح الطحاوية للشيخ يونس الخالص الأفغاني ص9.