تلازماً في الوجود، إذ لا يمكن أن يوجد إيمان صحيح إلا ومعه إسلام، كنتيجة حتمية، كما أن الإسلام المعتبر لا بد له من إيمان يصححه. وهذا الرأي ـ كما عرفنا ـ هو الرأي الثالث من آراء السلف في هذه المسألة، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لاجتماع الأدلة عليه، كما بينا ذلك في موضعه.
رأي أبي حنيفة في زيادة الإيمان ونقصه:
أما عن رأيه ـ رحمه الله ـ في زيادة الإيمان ونقصه، فقد أجمعت المصادر التي تحكي رأيه في هذه المسألة على أنه قد ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وقد صرَّح هو بذلك فيما وصلنا من كتبه، وفيما يلي نورد بعض النصوص من كتبه لإيضاح مذهبه هذا.
فقد قال ـ رحمه الله ـ في كتاب ((الوصية)) : " والإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتصور نقصانه إلا بزيادة الكفر، ولا يتصور زيادته إلا بنقصان الكفر، وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حال واحدة مؤمناً وكافراً، والمؤمن مؤمن حقاً، والكافر كافر حقاً، وليس في الإيمان شك، كما أنه ليس في الكفر شك " [1].
ومن النص المتقدم نرى أن أبا حنيفة استدل على عدم زيادة الإيمان ونقصانه، بأن زيادة الإيمان لا يتصور إلا بنقصان الكفر، ونقصانه لا يتصور إلا بزيادة الكفر، واجتماعهما في ذات واحدة في حال واحدة محال، وهذا لأن الكفر ضد الإيمان، وهو تكذيب وجحود، فالإنسان إما مؤمن أو كافر.
ويقول ـ رحمه الله ـ في ((الفقه الأكبر)) : " … وإيمان أهل السماء والأرض لا يزيد ولا ينقص، والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال " [2]. [1] وصية أبي حنيفة، ص1، مخطوطة بمكتبة أسعد أفندي ضمن المكتبة السليمانية، استانبول، رقم 1296. [2] الفقه الأكبر مع شرح علي القاري له، ص87.