بدليل أن كثيراً من الأوقات يرتفع العمل من المؤمن، ولا يصح أن يقال ارتفع الإيمان عنه، فإن الخائض والنفساء يرفع الله تعالى عنهما الصلاة والصوم، ولا يصح أن يقال: يَرفع عنهما الإيمان، أو أمَرهما بترك الإيمان، وقد قال عليه السلام: " دعي الصوم في أيام أقرائك ثم اقضيه ". ولا يصح أن يقال: دعي الإيمان ثم اقضيه. ويجوز أن يقال: ليس على الفقير الزكاة، ولا يجوز أن يقال: ليس على الفقير الإيمان " [1].
كما استدل ـ رحمه الله ـ على المغايرة بين الإيمان والعمل، بالآيات التي تعطف العمل على الإيمان، من مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [2]ونحوها[3] مما استدل به من قال بالمغايرة بين الأمرين.
والإسلام عنده: هو الأعمال التي هي غير الإيمان، لكنه وإن جعل الإسلام غير الإيمان في المعنى، إلا أنه جعل بينهما تلازماً قوياً، بحيث لا يمكن وجود أحدهما دون وجود الآخر، وفي ذلك قوله: " والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى، ففي طريق اللغة فرق بين الإيمان والإسلام، ولكن لا يكون إيمان بلا إسلام، ولا إسلام بلا إيمان، فهما كالظهر مع البطن، والدين اسم واقع على الإيمان والإسلام والشرائع كلها" [4].
فهو رحمه الله ـ وإن فرَّق بين الإيمان والإسلام، وجعل هذا غير ذلك من الناحية اللغوية، وكذلك الحقيقة الشرعية.
ـ كما يدل على ذلك حديث جبريل المشهور ـ إلا أنه جعل بينهما [1] وصية الإمام أبي حنيفة، ص2، مخطوطة بمكتبة أسعد أفندي ضمن المكتبة السليمانية، استانبول، رقم 1296. [2] الرعد: 29. [3] انظر: كتاب العالم والمتعلم، بتحقيق محمد رواس، وعبد الوهاب الندوي، ص49، ط مطبعة البلاغة، حلب، سنة 1392هـ. [4] الفقه الأكبر مع شرح لعلي القاري، ص89-90، ط مطبعة الحلبي، مصر، سنة 1375هـ.