على أنه التصديق وذلك لأنهم لا يفرِّقون بين التصديق والمعرفة كما فرَّق غيرهم، وكلاهما يرجع إلى القلب وهما شيئ واحد، ومن هؤلاء الباحثين شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حيث ذكر أن جهماً قال بأن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، ولم يجعل أعمال القلوب من الإيمان [1].
ثم يذكر في موضع آخر أنه لا فرق بين المعرفة والتصديق حيث قال: " الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد، الذي يجعل قول القلب أمراً دقيقاً، وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته، لا يجب على أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه " [2]. ورأي ابن تيمية هذا في نظري صحيح، ولكن الفرق بين رأي جهم ورأي غيره ممن قال بأن الإيمان هو التصديق فرق جوهري، لأن جهماً جعله تصديقاً مجرداً عن الانقياد القلبي فمن عرف الله بقلبه فهو المؤمن، ولا يشترط أن يتبع تلك المعرفة خضوعاً له وانقياداً، فيكون قد صدَّقه بقول قلبه وعمل قلبه محبة وتعظيماً.
أما الآخرون الذي قالوا بأن الإيمان مجرد التصديق، فإنهم يقصدون تصديق القلب وانقياده بإدخال أعمال القلوب فيه بأن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويصدقه في جميع ما نزل من الوحي الإلهي. فيكون الفرق بين المذهبين أن جهماً جعل الإيمان تصديقاً مجرداً عن أعمال القلب، بينما غيره أدخل فيه أعمال القلوب. وقد تابع شيخ الإسلام في رأيه هذا الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي في كتابه ((لوامع الأنوار البهيَّة)) [3].
ورأي جهم في الإيمان الذي تقدم ذكره تكاد تجمع المصادر التي تذكر آراءه على أنه قد قال به، ودعا إليه.
فالإيمان إذن عند جهم لا يتناول إلا الباطن، بحيث أن الإنسان إذا [1] كتاب الإيمان لابن تيمية، ص157. [2] ابن تيمية، المصدر السابق ص340. [3] ج1 ص363، ط1 بمطبعة مجلة المنار، مصر، سنة 1324هـ.