الحق يقيناً، وكان إنكاره عناداً واستكباراً، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [1].
فالعمل له عندهم مكانة كبيرة، فتاركه أو تارك شيئ منه يكون مذنباً معرَّضاً للعقاب وهذا ما يجعلني أقول: إن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وما سبقه إليه ابن حزم الظاهري من عد طائفة الأشاعرة من جملة المرجئة المناصرة لمذهب جهم في الإيمان [2]، أمر لا يتناسب مع الواقع. والإنصاف يدفعنا إلى القول بأن القوم لم يقصروا كثيراً في اعتبار العلم إلى حد يبرِّر إلزاقه هذا اللقب ـ الذي عُرف بالذم والقبح عند أغلب الطوائف ـ بهم، وعدهم من جملة الجهمية المرجئة، إذ أن الخلاف في هذه المسألة بينهم وبين جماعة السلف خلاف لفظي، لأنه ينحصر في الشرطية التي قال بها الأشاعرة والشطرية التي قال بها السلف، والكل متفق على ضرورة الإتيان بالعمل والإقرار دون تفريط أو تقصير، والمقصر فيهما مؤاخذ على تقصيره ومعرَّض للعقاب، إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له، وأن الإيمان المنجي من التخليد في النار هو التصديق القلبي الجازم لقوله صلى الله عليه وسلم: " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " شريطة أن لا يكون قد ترك العمل استحلالاً وجحوداً وعناداً. فإذاً القوم يخرجون الإقرار والعمل عن الركنية في الإيمان، مع التشدد في الإتيان بهما كشرط لتحقق الإيمان وكماله وكدليل ظاهري محسوس على وجود حقيقته في أعماق القلب.
وقد أوردوا أدلة تؤيد ما ذهبوا إليه، فمما أوردوه كدليل على إخراج الإقرار عن الركنية قوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} 3، [1] انظر: العقائد العضدية بشرح جلال الدين الدواني، ج2 ص285،286، ط المطبعة العثمانية، سنة 1316هـ. [2] انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية، ص10، ط المكتب الإسلامي، دمشق، وكتاب الفصل لابن حزم، ج2 ص188.
3 المجادلة: 22.