الأشاعرة قد شعروا بوجود تناقض بين مذهبهم في حقيقة الإيمان، ومذهبهم في القول بالترادف بين الإيمان والإسلام، لذلك حاولوا تفسير وجهة نظرهم بأن المراد بالترادف، الترادف في المراد، بمعنى أن المراد من الإيمان الإذعان بالقلب، والإسلام الإذعان بالجوارح. والمعنيان واحد وكلاهما مطلوب شرعاً، والمراد منهما واحد وهو الإذعان. كما يتضح ذلك من كلام التفتازاني السابق. وقد سبق أن ذكرت عند بيان رأي السلف في هذه المسألة، أن الخلاف بينهم تمَّ على رأيين أيضاً، هما القول بالترادف، والافتراق، وذكرت أن الرأي الصائب هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من القول بالافتراق مع التلازم الشديد بينهما إلى درجة أنه لا يمكن أن يتصور وجود أحدهما بدون الآخر، وأن هذا الرأي هو الذي تجتمع عليه الأدلة، حيث لا يخفى ما بينهما من بُعد لا يمكن أن تجتمع معه إلا على مثل هذا الرأي القائل بالتلازم، بحيث أن الإيمان إذا ذكر منفرداً كما في حديث وفد عبد القيس دخل فيه الإسلام لا محالة؛ وإذا ذكر الإسلام منفرداً دخل الإيمان فيه أيضاً.
وإذا ذُكرا مجتمعين ـ كما في حديث جبريل ـ افترقا فيراد من أحدهما غير ما يراد من الآخر من حيث المعنى.
والرأي القائل بالترادف عند السلف، له وجهة لا تتعارض مع رأيهم في حقيقة الإيمان، لإطلاقهم الإيمان على الأعمال، وجعلها جزءاً منه بدلالة النصوص، بخلاف رأي الأشاعرة القائل بالترادف، فإنه يتعارض مع مذهبهم القائل بأن الإيمان تصديق قلبي فحسب، والأعمال لوازم للإيمان، فهي غيره، هذا ما يقتضيه مذهبهم.
بقي أن أذكر أدلة القائلين بالتغاير، فمن أدلتهم قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [1] حيث أثبت أحدهما ونفى الآخر. [1] الحجرات: 14.