ويقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " كان مَن مضى من سلفنا، لا يفرِّقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل … فمَن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدَّق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها. ومَن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدِّق بعمله، كان في الآخرة من الخاسرين. وهذا معروف عن غير واحد من السلف، والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدِّقاً للقول " [1].
ومن القائلين بأن الإيمان قول وعمل: الأئمة الثلاثة، أحمد بن حنبل، ومحمد بن إدريس الشافعي، ومالك بن أنس، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن جريج، ومعمر بن راشد، وغيرهم[2].
وقد ذكر هذا القول أيضاً عن هؤلاء الأئمة وغيرهم، أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة حيث بسط عقيدة كل إمام في باب مستقل، وكلهم يقول بأن الإيمان قول وعمل.
كما أن الإمامين الجليلين، صاحبي أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى، اللذين اتفقت الأمة بأسرها على جلالتهما، وعلوِّ قدرهما، قد قالا بهذا القول أيضاً، وعوَّلا عليه في كتابيهما واستدلا له استدلالاً واضحاً جلياً. فقد رتب الإمام البخاري كتاب الإيمان من صحيحه ترتيباً ينمُّ عن عقيدته في القول بركنية العمل في الإيمان، وفضلاً عن ذلك فقد استهل كتاب الإيمان بقوله: وهو قول وفعل، ويزيد وينقص. ثم سرد أدلته على ذلك من الكتاب والسنة.
ويتضح لنا مما تقدم أن السلف ـ عليهم رحمة الله ـ لم يكتفوا في الإيمان بجانب واحد بل يرون أنه لا بد من الاعتقاد بأنه مكوَّن من أمور ثلاثة، لا غنى عن أحدها، فهو قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، وكلهم مجمعون على ذلك، لأنهم رأوا أن [1] ابن تيمية، المصدر السابق ص 250. [2] ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري، ج1 ص47 ط المطبعة السلفية.