الفتن، وأشار وبين، وأنذر بالخوارج وقال: " تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " فبين أن كل طائفة منهما تتعلق بالحق، ولكن طائفة علىٍّ أدنى إليه. وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [1] فلم يخرجهم عن الإيمان بالبغي بالتأويل ولا سلبهم اسم الأخوة بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [2]. وقال صلى الله عليه وسلم في عمَّار: " تقتله الفئة الباغية ". وقال في الحسن: " ابني هذا سيِّد، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فحسن له خلع نفسه وإصلاحه، … فهذه كلها أمور جرت على رسم النزاع، ولم تخرج عن طرق الفقه، ولا عدت سبيل الاجتهاد الذي يؤجر فيه المصيب عشرة، والمخطئ أجراً واحداً [3].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ((منهاج السنة)) ما معناه: إن معاوية لم يكن ممن يختار الحرب ابتداءً، بل كان من أشد الناس حرصاً على أن لا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه، وقتال صفِّين للناس فيه أقوال: فمنهم من يقول: كلاهما كان مجتهداً مصيباً، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام والفقه والحديث ممن يقول كل مجتهد مصيب، ويقول: كانا مجتهدين. وهذا قول كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم، وهو قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم. وتقول الكرامية كلاهما إمام مصيب، ويجوز نصب إمامين للحاجة ومنهم من يقول: بل المصيب أحدهما لا بعينه، وهذا قول طائفة منهم. ومنهم من يقول: عليٌّ هو المصيب وحده، ومعاوية مجتهد مخطئ، كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة. [1] الحجرات: 9. [2] الحجرات: 10. [3] انظر: كتاب العواصم من القواصم للقاضي أبي بكر بن العربي تحقيق الشيخ محب الدين الخطيب، ص168-171.