وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله الحسن بن حامد البغدادي من أصحاب الإمام أحمد وغيره، ومنهم من يقول: كان الصواب أن لا يكون قتال، وكان ترك القتال خيراً للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن عليّ كان أقرب إلى الحق من معاوية. والقتال قتال فتنة، ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيراً للطائفتين مع أن عليّاً كان أولى بالحق ـ وهذا قول أحمد، وأكثر أهل الحديث، وأكثر أئمة الفقهاء، وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وهو قول عمران بن حصين رضي الله عنه وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال، ويقول: هو بيع السلاح في الفتنة. وهو قول أسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم. ولهذا كان مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبتت فضائلهم، ووجبت موالاتهم ومحبتهم [1].
ويقول الشيخ محب الدين الخطيب في هذا الشأن: " أهل السنة المحمدية يدينون لله على أن عليّاً ومعاوية ومن معهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا جميعاً من أهل الحق، وكانوا مخلصين في ذلك، والذي اختلفوا فيه، إنما اختلفوا فيه عن اجتهاد كما يختلف المجتهدون في كل ما يختلفون فيه. وهم ـ لإخلاصهم في اجتهادهم ـ مثابون عليه في حالتي الإصابة والخطأ وثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ، وليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر معصوم عن أن يخطئ. وقد يخطئ بعضهم في أمور ويصيب في أخرى وكذلك الآخرون أما من مرق عن الحق في إثارة الفتنة الأولى على عثمان فلا يعد من أحدى الطائفتين اللتين على الحق، وإن قاتل معها والتحق بها، لأن الذين تلوثت أيديهم ونيَّتهم وقلوبهم بالبغي الظالم على أمير المؤمنين عثمان ـ كائناً من كانوا ـ استحقوا إقامة الحد الشرعي عليهم، سواء استطاع ولي الأمر أن يقيم عليهم هذا الحد أو لم يستطع. وفي حال عدم استطاعته فإن مواصلتهم تسعير القتال بين صالحي المسلمين [1] انظر: منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ج2 ص264.