كلما أحسوا منهم بالعزم على الإصلاح والتآخي: كما فعلوا في وقعة الجمل وبعدها ـ يُعدُّ إصراراً منهم على الاستمرار في الإجرام ما داموا على ذلك. فإذا قلنا إن الطائفتين كانتا من أهل الحق فإنما نريد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا في الطائفتين، ومن سار معهم على سنته صلى الله عليه وسلم من التابعين. ونرى أن عليّاً المبشر بالجنة أعلى مقاماً عند الله من معاوية خال المؤمنين، وصاحب رسول رب العالمين، وكلاهما من أهل الخير. وإذا اندسَّ فيهم طوائف من أهل الشر، فإن من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [1].
ثم ذكر بعد ذلك ما رواه ابن كثير في تاريخه عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم أنه قال ـ وقد ذكر أهل صفين: " كانوا عرباً، يعرف بعضهم بعضاً في الجاهلية، فالتقوا في الإسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام، فتصابروا، واستحيوا من الفرار. وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم " [2]. وقال الشعبي: " هم أهل الجنة، لقي بعضهم بعضاً فلم يفرّ أحد من أحد " [3].
فهذا هو موقف أهل السنة ـ وموقف كل منصف ـ قديماً وحديثاً ـ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أما تلك المواقف التي وقفها الخوارج من الجميع والشيعة من أصحاب معاوية مع الغلو في شأن أهل البيت فإنها ظاهرة الفساد والبطلان بما تقدم تقريره من كلام عن العلماء الأعلام، الذي لم يتكلموا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء، بل قالوا بشأنهم ما يجب أن يقال، مستندين إلى الدليل القاطع، فلم يحكموا بهواهم ولم يتبعوا أغراضهم ـ بل قالوا بالعدل، وتكلموا بفصل الخطاب.
أما ما استدل به الخوارج من نصوص لتكفير مرتكب الذنب فإن للسلف عنها جوابين: أحدهما أن المراد بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا [1] محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب العواصم من القواصم، ص168-169. [2] انظر: البداية والنهاية لابن كثير، ج7 ص278، ط1 سنة 1966م. [3] المصدر نفسه.