أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وأمثالها كفر لا ينقل عن الملة، بل كفر دون كفر، وفسق دون فسق وظلم دون ظلم. وهذا رأي جماعة من المفسرين كعطاء، وطاووس وغيرهما.
والرأي الثاني أنهم يكفرون باستحلالهم لذلك، فيحمل على من فعل الذنب مستحلاً له جاحداً لتحريمه أو وجوبه وهذا رأي ابن عباس وأصحابه [1]. فجميع النصوص التي يفهم منه كفر مرتكب الذنب، فإنما المراد بذلك فاعل الذنب مستحلاً له. وكذلك النصوص التي تنفي عنه الإيمان فإنما المراد بها نفي كماله.
وهكذا فإن الخوارج قد تمسكوا بخيط العنكبوت، إذ أن النصوص الأخرى المستفيضة التي تدل على بقاء إيمان المذنب ـ تدل على ذلك المعنى للنصوص المقابلة، وهو توفيق بحمد الله لا مدخل عليه.
أما الحكم الأخروي لمرتكب الكبيرة:
فهو موضع اتفاق بين طائفتي الخوارج والمعتزلة، وهذا أيضاً فيه مكابرة للنصوص، وتضبيق لرحمة الله الواسعة، وتيئيس من رجائه. والسلف ـ رحمهم الله ـ ومن وافقهم ينظرون إلى هذا الرأي نظرة ناقدة، ومفنِّدة لباطله فالمذنب مؤمن، مهما بلغ ذنبه، ودخوله النار أمر وارد، لأنه يستحقه ولكن الأمر الذي لا يمكن أن يحصل فهو تخليد المذنب في النار، إذ أن النصوص المستفيضة تدل على خروج المذنب من النار وعدم تخليده فيها، كقوله صلى الله عليه وسلم: " يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تبارك وتعالى: أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان، فيخرجون منها …" [2].
وقوله صلى الله عليه وسلم: " ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّة [1] انظر هذين الرأيين في جامع البيان للطبري ن ج6 ص256-257. [2] رواه البخاري، انظر: صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري، ج1 ص64.