وما ورد في قصة حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه ـ إذ حاول إخبار قريش بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال الله تبارك وتعالى في شأته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ …} [1]. ولا شك أنه ارتكب كبيرة بفعلته هذه، ومع ذلك أبقى الله عليه اسم الإيمان فخاطبه به، ولا شك في فضل هذا الصحابي الجليل، وإنما وقع منه ما وقع عن حسن نية، ولم يكن يعلم أنه ارتكب خطأً شنيعاً، ولذلك لما أخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالدوافع التي لأجلها كتب الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد صدقكم "، فقال عمر: " يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق "، فقال: " إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " [2].
إلى غير ذلك من الآيات التي تخاطب أهل الذنوب الكبيرة باسم الإيمان.
أما من السنة المطهرة: فاستدلوا بحديث أبي بكرة الذي رواه البخاري،وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار "، فقلت: " يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ " قال:" إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " [3]. قال البخاري ـ رحمه الله ـ: " سمَّاهما مسلمَين مع التوعد بالنار " [4].
وتحت عنوان: المعاصي من أمر الجاهلية عقد الإمام الجليل البخاري باباً فقال: " باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها، إلا بالشرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك امرؤ فيك جاهلية " [5].
ثم ساق حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إني ساببت رجلاً فعيَّرته [1] الممتحنة: 1. [2] انظر: هذه القصة في سبب نزول الآية، ج28 ص58 من جامع البيان للطبري. [3] البخاري، محمد بن إسماعيل، المصدر المذكور آنفاً ج1ص84. [4] المصدر نفسه. [5] المصدر نفسه.