بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر، أعيَّرته بأُمِّه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية …" [1]. قال ابن حجر: " قصة أبي ذر، إنما ذُكرت لِيُستدلّ بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال الجاهلية سوى الشرك، لا يخرج عن الإيمان بها، سواء كانت من الصغائر أم الكبائر " [2]. ومن هذه الأدلة أيضاً حديث أبي ذر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، عليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه فقال: " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة "، قلت: " وإن زنى وإن سرق "، قال: " وإن زنى وإن سرق "، ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: " على رغم أنف أبي ذر " [3].
وحديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وحوله عصابة من أصحابه ـ: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم، وأرجلكم ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعُوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه "، فبايعناه [4].
قال الإمام النووي ـ مشيراً إلى حديث عبادة بن الصامت هذا، وحديث أبي ذر السابق ـ قال: " فهذان الحديثان مع نظائرها في الصحيح، [1] المصدر السابق، حديث رقم 30. قال الشارح: قيل إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن، مولى أبي بكر … ويظهر لي أن ذلك كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريمه، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية عنده. فلهذا قال كما عند المؤلف في الأدب: قلت: " على ساعتي هذه من كبر السن؟ " قال: " نعم ". كأنه تعجَّب من خفاء ذلك عليه مع كبر سنِّه فيبيِّن له كون هذه الخصلة مذمومة شرعاً ـ وكان بعد ذلك يساوي غلامه في الملبوس وغيره أخذاً بالأحوط. انظر: فتح الباري، ج1 ص86-87. [2] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج1 ص85. [3] رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم مع شرحه للنووي، ج2 ص94، ط المطبعة المصرية. [4] البخاري، محمد بن إسماعيل، المصدر المذكور آنفاً ج1 ص64.