على الزنادقة والجهمية، فيما شكَّت فيه من متشابه القرآن، وتأولته على غير تأويله، تكلِّم على معاني المتشابه، الذي اتبعه الزائغون، ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، آية آية، وبين معناها، وفسَّرها ليبين فساد تأويل الزائغين، واحتجَّ على أن الله يُرى، وأن القرآن غير مخلوق، وأن الله فوق العرش، بالحجج العقلية والسمعية، ورد ما احتجَّ به النفاة من الحجج العقلية والسمعية، وبين معاني الآيات التي سمَّاها هو متشابهة، وفسرها آية آية، وحديثاً حديثاً، وبين فساد ما تأولها عليه الزائغون، وبين هو معناها، ولم يقل أحمد- رحمه الله-: أن هذه الآيات والأحاديث لا يفهم معناها إلا الله، ولا قال أحد له ذلك، بل الطوائف كلها مجتمعة على إمكان معرفة معناها، لكن يتنازعون في المراد كما يتنازعون في آيات الأمر والنهي.....
وكان الإمام أحمد-رحمه الله-ينكر طريقة أهل البدع الذين يفسِّرون القرآن برأيهم وتأويلهم من غير استدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة، والتابعين، الذين بلَّغهم الصحابة معاني القرآن، كما بلَّغُوهم ألفاظه، ونقلوا هذا كما نقلوا هذا، لكن أهل البدع يتأوَّلُون النصوص بتأويلات تخالف مراد الله ورسوله، ويدعون أن هذا هو التأويل الذي يعلمه الراسخون، وهم مبطلون في ذلك، لاسيما تأوّلات القرامطة والباطنية (1)
الملاحدة،
(1) - القرامطة والباطنية: من الفرق الخارجة عن الإسلام، وعقيدتهم أن أحد الصانعين قديم هو الإله الفاعل، والإله خلق النفس، فالإله هو الأول والنفس هو الثاني وهما مدبرا هذا العالم، وربما سموهما العقل والنفس، ثم إنهم قالوا إنهما يدبران العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأولى، وقولهم هذا بعينه قول المجوس؛ لأنَّ مؤسس الباطنية مجوسي وهو ميمون بن ديصان المعروف بالقداح - جد العبيديين -. وممن استجاب لدعوته: حمدان قرمط، وإليه تنسب القرامطة فهم من الباطنية.
وهؤلاء المجوس كانوا مائلين إلى دين أسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين، فكانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وأسسوا مذهبهم على أمور سموها (السابق) و (التالي) و (الأساس) و (الحجج) و (الدعاوى) ... وأمثال ذلك من المراتب، وترتيب الدعوة سبع درجات، آخرها البلاغ الأكبر والناموس الأعظم، وتأوَّلُوا آيات القرآن والأحاديث على هذه الأسس، وكذلك تأولوا أحكام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة أو إلى مثل أحكام المجوس، فأباحوا لأتباعهم نكاح البنات والأخوات وشرب الخمر وجميع اللذات، ويدَّعُون أن الملك سيزول عن المسلمين ويرجع إلى المجوس، فهم ينتظرون رجوعه إليهم، ووجدوا أن أسهل الطرق لاستمالة المسلمين لاتباعهم هو إظهار التشيع لآل البيت فكان منهم حكام مصر وهم العبيديين الذين يزعمون أنهم من سلالة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. فغرض الباطنية هو الدعوة إلى دين المجوس بتأويلات يتأولون عليها القرآن والسنة.
يُراجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (35/ 120-144) ، والفرق بين الفرق ص (265-299) ، وفضائح الباطنية ص (11-14) .