أمر وراءه وهو أن ذلك القرآن الحقيقي ماذا هو؟ فنحن نقول إنه المعنى القائم بالنفس والخصم يقول: إنه حروف وأصوات أوجدها الله تعالى، وعند وجودها انعدمت وانقضت، وأن ما أتى به الرسول، وما نتلوه نحن ليس هو ذلك وإنما هو مثال له، على نحو قراءتنا لشعر المتنبي، وامرئ القيس، فإنه ليس ما يجري على ألسنتنا هو كلام امرئ القيس، وإنما هو مثله"[1].
ومعنى هذا أن الكلام الذي بين أيدينا يطلق عليه قرآناً من باب تسمية الدلالات باسم المدلولات وإلا فإن القرآن الحقيقي قائم بذات الله تعالى لا ينفك عنه أزلاً وأبداً. وهذا هو مذهب البيهقي كما يفهم من كلامه الذي أوردته في صدر هذا المبحث وفي المباحث السابقة.
أما السلف فإنهم يرون أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه، وهو صفة من صفاته لأنه كلام الله تعالى وكلامه سبحانه قديم النوع حادث الآحاد فالله تعالى تكلم به، وأسمعه الملك فنزل به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والكلام لمن قاله مبتدءا، لا لمن قاله مبلغاً، وهو عند السلف صفة ذات ملازمة لذات الله تعالى لم تخل منها في وقت من الأوقات، وهي صفة فعل أيضاً، لأنه متكلم متى شاء كيف شاء بحرف وصوت، كما ورد ذلك في النصوص الصريحة.
وهكذا فقد كان رأي السلف جامعاً لما عند الفريقين من حق فخرجوا برأي واضح الموافقة لصريح المعقول، وصحيح المنقول. فالخلاف [1] غاية المرام في علم الكلام للآمدي ص: 107، وانظر: الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص: 149.