وما رواه عن جعفر بن محمّد أنه سئل: يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن خالق أم مخلوق؟ قال: أقول فيه ما يقول أبي وجدي: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عز وجل[1].
وما رواه عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال: "القرآن كلام الله ليس بمخلوق"[2]. إلى غير ذلك مما أورده عن السلف من أقوال كلّها مصرحة بمذهبهم في أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق.
فرأي هؤلاء الجهمية في القرآن باطل باتفاق السلف والأشاعرة بمن فيهم البيهقي، وإذا كان الرأيان قد تشابها في النظرة إلى رأي الجهمية، فإن القارئ قد يظن أن الفريقين يدينان برأي واحد في القرآن، إلا أن الأمر خلاف ذلك، فبين الرأيين بون شاسع، إذ يتضح لنا من مجموع ما تقدم من نصوص في بحث مسألة الكلام بجميع جوانبها أن البيهقي ومعه الأشاعرة يرون أن هذا القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا ليس هو كلام الله القديم وإنما هو عبارة عنه، ودلالة عليه، وهو مخلوق، لأن كلام الله الحقيقي نفسي قديم، ونفوا أن يكون كلام الله الحقيقي هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد بين ذلك الآمدي- من أساطين الأشاعرة- حين قال مفرقاً بين مذهبه هو وأصحابه وبين مذهب المعتزلة: "وأما ما قيل من أن القرآن معجزة الرسول فيمتنع أن يكون قديماً فتهويل لا حاصل له، فإنا مجمعون على أن القرآن الحقيقي ليس بمعجزة الرسول، وإنما الاختلاف في [1] الأسماء والصفات ص: 247، وخلق أفعال العباد للبخاري ص: 8. [2] الأسماء والصفات ص: 248.