ثم إن الأدلة التي ذكرها ابن القيم مقنعة، ولا يلزم من ذلك الإثبات أن يشابه رأي السلف فيه رأي الحلولية القائلين بأن الله بذاته في كل مكان، لأن السلف - رحمهم الله - يثبتون الفوقية والاستواء لله تعالى، ويقولون إنه سبحانه بذاته مستو على عرشه بائن من خلقه، ولذلك قالوا عن المعية: إنها ليست بالذات بل بالعلم، ولا تأويل لأنه معنى حقيقي، ومعية حقيقية فإنه - كما قال ابن القيم - مع دلالة العقل والفطرة وجميع الكتب السماوية على أن الله عال على خلقه فوق جميع المخلوقات هو مستو على عرشه، وعرشه فوق السموات كلّها، فهو سبحانه محيط بالعالم كله، فأينما ولى العبد فإن الله مستقبله.
بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط، وإذا كان عالي المخلوقات المحيط يستقبل سافلها المحاط به بوجهه من جميع الجهات والجوانب فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط، وهو محيط، ولا يحاط به، كيف يمتنع أن يستقبل العبد وجهه تعالى حيث كان وأين كان"[1].
إلى أن قال - رحمه الله - عن هذه الآية: "… فأخبر أن الجميع ملكه، وقد خلقه، وقد علم بالفطرة والشرع أن الله تعالى فوق العالم محيط بالمخلوقات، عال عليها بكل اعتبار، فمن استقبل جهة من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب أو بين ذلك فإنه متوجه إلى ربه حقيقة، والله تعالى قبل وجهه إلى أي جهة صلى، ومع ذلك فوق سمواته عال على [1] مختصر الصواعق المرسلة2/185-186.