وقوله عن حديث الدجال: "إن المقصود منه نفي نقص العور عن الله سبحانه، وإثبات العين له صفة - كما سبق أن ذكرت عنه - بمعنى أن الإثبات لعين واحدة، ونفي النقص عنها لا يثبت غيرها، فيظهر من ذلك كلّه أنه لا يثبت عينين لله تبارك وتعالى، بحجة أن ذلك لم يرد وهي حجة سكت عن ذكرها إلاّ أن كلامه يدل عليها.
إلاّ أن السلف يخالفونه في ذلك حيث يرون أن الأحاديث الواردة في صفة الدجال تؤكد إثبات عينين لله تبارك وتعالى، فيقول الدارمي عثمان بن سعيد: "العور عند الناس ضد البصر، والأعور عندهم ضد البصير بالعينين"[1].
ويقول أيضاً: ففي تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليس بأعور" بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور[2].
والمعروف من منهج السلف أنهم حينما يثبتون الصفة لله تبارك وتعالى عند ورود النص بها، فإنما يثبتونها على معناها الظاهر المتبادر منها، مع نفي التشبيه والمماثلة بين صفات الله وصفات خلقه وبيانه صلى الله عليه وسلم للعلامة التي نعرف بها الدجال حين ادعائه الألوهية، وهي وجود نقص فيه منزه ربنا سبحانه عنه، وهو أنه أعور عين اليمنى، فإن المتبادر إلى الذهن لأول مرة أن الله تبارك وتعالى له عينان خلافاً للدجال الذي عورت عينه اليمنى، والعور المعروف في اللغة هو ذهاب حس إحدى العيني[3]، وإثباتنا لذلك إنما هو إثبات وجود وكمال، لا إثبات تشبيه. [1] ردّ الدارمي، عثمان بن سعيد على المريس العني، ضمن مجموعة عقائد السلف ص: 401. [2] نفس المصدر ص: 406. [3] انظر القاموس المحيط 2/97، لسان العرب 4/612.