لأن إبليس خلقه الله بقدرته لا من طريق المباشرة، بل بكلمة "كن" وآدم عليه السلام خلقه الله بيده من غير واسطة تفضيلاً له على إبليس لعنه الله، وقد روى الطبري عن مجاهد، عن ابن عمر في تفسير هذه الآية قال: "خلق الله أربعة بيده: العرش، وعدن، والقلم، وآدم. ثم قال لكل شيء كن فكان"[1].
وقال العلامة جمال الدين القاسمي عن خلق الله لآدم المذكور في آية: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فقال: أي بنفسي من غير توسط[2].
فخلق الله تبارك وتعالى لآدم كان خلقاً مباشراً مخالفاً لسائر مخلوقاته التي خلقها بكلمة "كن" وخلقه له سبحانه بهذه الطريقة لإبراز فضيلة آدم عليه السلام، وتشريفه على إبليس اللعين الذي استكبر وأبى السجود له زاعما أنه خير.
وكلام البيهقي جملة يدل على أنه يرى ذلك، ولعله إنما تحرج من التعبير عن خلق الله لآدم بالمباشرة ظاناً أن ذلك يقتضي اعتقاد حاجة الله إلى وسائط يخلق بها، أو أن ذلك يقتضي تشبيهاً وتجسمياً، إلا أن هذه النظرة كانت خاطئة لأن إثبات أن الله خلق آدم بيده مباشرة من غير واسطة، إنما كان ذلك من الله ليخص آدم بأمر، لا أنه محتاج إلى تلك المباشرة ليتم الخلق، كما أن ذلك لا يقتضي تشبيهاً ولا تجسيماً لأن كل فعل من أفعال الله تعالى، أو صفة من صفات ذاته، إنما نثبتها له على ما يليق بجلاله وكماله، مع إيماننا العميق بأن لا أحد في خلقه يشبهه ولا يشبه أحداً منهم بأي وجه، تعالى الله عن مشابهة خلقه علوّاً كبيراً. [1] جامع البيان للطبري23/185. [2] محاسن التأويل للقاسمي14/5122.