الناحية الاجتماعية
لقد اتضح لنا فيما سبق أن الحالة السياسية في تلك الحقبة من أيام الدولة العباسية - التي عاصرها البيهقي - قد بلغت من الفوضى أقصاها فليس لنا بعد ذلك أن نتصور الحالة الاجتماعية طيبة ثابتة، لأن الفزع والرعب سيطرا على القلوب، حتى أصبح لا يطمئن أحد من الناس على نفسه وماله، فمن المعلوم بداهة أن الحروب تحدث دائماً تأثيراً بالغاً في حياة المجتمعات التي تعاصرها، لأنها تنهك الاقتصاد، وتقضي على موارد البلاد، وتشجع على إشاعة الفوضى في شتى ميادين الحياة.
فبدلاً من أن يعنى الحكام بالموارد الشرعية للدولة، وتوزيع نتائجها توزيعاً عادلاً بين الناس، نراهم يسلكون لجمع المال طرقاً غير سليمة، فالغنائم الحاصلة من الحروب فيما بينهم تشكل أهم الموارد لأموال الدولة، كما أن أموال الناس التي كانت تصادر لأتفه الأسباب تشكل مورداً آخر [1] .
وبيوت الحكام كانت تتعرض في بعض الأحيان للنهب والسلب من قبل جنودهم الخارجين عليهم [2] .
فإذا كان الحكام أنفسهم يتطلعون لما في أيدي الآخرين ويتحينون الفرص لضمه لما في أيديهم، وإذا كانت منازلهم قد تعرضت للسلب والنهب فكيف لنا أن نتصوّر المجتمع الذي يحكمونه بمساعدة أولئك الجند، كيف يمكن أن نتصوّره إلا راسخاً في أوحال تلك الفوضى؟ [1] الكامل لابن الأثير7/182-206. [2] الكامل8/2، وشذرات الذهب لابن العماد3/204.