فهذا الحديث وتلك الآية كما استدلّ بها الجهمية القائلون بالحلول، استدل بها الأشاعرة القائلون بنفي أن يكون الله في جهة من الجهات. ولا شك في بطلان الاستدلالين معاً. أما الأوّل فبشاعته لا تخفى، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل، وأما الثاني - وهو ما ذهب إليه البيهقي - فإنه استدلال غير صحيح، لأن الأسماء الأربعة الواردة في الحديث متقابلة، اسمان منها لأزلية الربّ سبحانه وتعالى وأبديته واسمان لعلوه وقربه. فالمراد بالظهور هنا العلو، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [1]. أي: يعلوه[2].
وأما اسم الباطن فإنه يدلّ على أن الله مع علوّه بذاته سبحانه على جميع مخلوقاته، فإنه قريب منهم بعلمه سبحانه كما ورد في تفسير قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية[3]، فالحديث دليل لمثبتي الجهة لا لنفاتها.
وقد صرح السلف- رحمهم الله - بإثبات علوّه سبحانه بذاته على جميع المخلوقات - كما ذكر البيهقي ذلك عن عبد الله بن المبارك رادّاً على من تعلق بقوله لإثبات الجهة فقال: " ... وأما الحكاية التي تعلق بها من يثبت لله تعالى جهة ... وذكر بسنده إلى علي بن الحسن قال: سألت عبد الله بن المبارك، قلت: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه. قلت: فإن الجهمية تقول هو هذا. قال إنا لا نقول كما قالت الجهمية، نقول: هو هو، قلت: بحد؟ قال أي والله بحد، قال البيهقي: إنما [1] سورة الكفف آية: 97. [2] انظر: شرح الطحاوية ص: 254. [3] سورة المجادلة آية: 7.