أراد عبد الله بن المبارك بالحق حد السمع، وهو أن خبر الصادق ورد بأنه على العرش استوى فهو على عرشه كما أخبر، وقصد بذلك تكذيب الجهمية فيما زعموا نه بكل مكان وحكايته تدلّ على مراده[1].
فإما أن ابن المبارك قصد الردّ على الجهمية القائلين بأن الله تعالى بكل مكان، فهذا صحيح، لأن قولهها هذا كفر بواح، إذ إنه تكذيب لله تبارك وتعالى فيما أخبر عن نفسه أنه على عرشه لا أنه بكل مكان كما قال هؤلاء.
وإما أن هذا الكلام لا يدل على أن ابن المبارك يقول بإثبات الجهة، وأن اعتماد مثبتيها على كلامه هذا ليس في محله فإن هذا ادعاء خاطىء، لأن ابن المبارك لم يقصد التقيد الوارد في النص دون معرفة معناه، وإنما أراد تحديد المراد من الآية أن الله تعالى بذاته مستو على عرشه استواء حقيقياً، معروف المعنى، مجهول الكيف، كما أنه لم يقصد بالحد بيان مسافة وأبعاد، تعالى الله عن أن نضيف إليه ما لم يصف به نفسه، فالسلف متقيدون بالنصوص في باب العقيدة كلّه، والصفات بوجه أخص.
كل علّق البيهقي على قول آخر لابن المبارك يثبت الاستواء والفوقية لله تبارك وتعالى وهو قوله: "نعرف ربّنا فوق سبع سموات على العرش استوى، بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية إنه ههنا - وأشار إلى الأرض" علّق عليه البيهقي بقوله: "قلت: قوله: بائن من خلقه، يريد به ما فسره بعده من نفي قول الجهمية، لا إثبات جهة من جانب آخر، يريد ما أطلقه الشرع". [1] الأسماء والصفات ص: 427.