مطلقاً فإن الله سبحانه لم يثبت لنفسه هذه المسميات ولم ينفها عنه، فمن أثبتها مطلقاً فقد أخطأ ومن نفاها مطلقاً فقد أخطأ، فإن معانيها منقسمة إلى ما يمتنع إثباته لله، وما يجب إثباته له، فإن الانتقال يراد به انتقال الجسم والعرض من مكان هو محتاج إليه إلما مكان آخر يحتاج إليه، وهو يمتنع إثباته للرّب تبارك رتعالى، وكذلك الحركة إذا أريد بها هذا المعنى امتنع إثباتها لله تعالى.
ويراد بالحركة والانتقال حركة الفاعل من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً، وانتفاله أيضاً من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً، فهذا المعنى حق في نفسه لا يعقل كون الفاعل فاعلاً إلاّ به، فنفيه عن الفاعل نفي حقيقة الفعل، تعطيل له.
وقد يراد بالحركة والانتقال ما هو أعم من ذلك وهو فعل يقوم بذات الفاعل يتعلق بالمكان الذي قصد له وأراد إيقاع الفعل بنفسه فيه،. وقد دلّ القرآن والسنة والإجماع على أنه سبحانه يجيء يوم القيامة وينزل لفصل القضاء بين عباده، وبأتي في ظلل من الغمام والملائكة وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة.. وهذه أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة، فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة بالمخلوقات، فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به، فما كان من لوازم أفعاله لم يجز نفيه عنه، وما كان من خصائص الخلق لم يجز إثباته له.."[1].
فالسكوت عن الإثبات والنفي هو المنهج السليم الذي يتفق مع النصوص الشرعية، مع اعتقاد إثبات المعنى الصحيح من هذه الألفاظ المجملة والسكوت عن اللفظ فقط. [1] مختصر الصواعق المرسلة ص:257-258.