" ... ولا حجة لهم في قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} فإنه إنما أراد به لا تدركه أبصار المؤمنين في الدنيا دون الآخرة، ولا تدركه أبصار الكافرين مطلقاً، كما قال: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [1].
فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته دل على أنه يثبت المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه، ولما قال في وجوه المؤمنين: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} فقيدها بيوم القيامة، ووصفها فقال: {نَاضِرَةٌ} ثم أثبت لها الرؤية فقال: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} علمنا أن الآية الأخرى في نفيها عنهم في الدنيا دون الآخرة، وفي نفيها عن الوجوه الباسرة دون الوجوه الناضرة جمعاً بين الآيتين، وحملاً للمطلق من الكلام على المقيد منه.
ثم قد قال بعض أصحابنا: إنما نفى عنه الإدراك دون الرؤ ية، والإدراك هو الإحاطة بالمرئي دون الرؤ ية، فالله يرى ولا يدرك، كما يعلم ولا يحاط به علما"[2].
وقد اختار هذا التفسير الأخير للآية جماعة من مثبتي الرؤية من السلف وغيرهم، وجعلوها دليلاً على الإثبات على نقيض تصور نفاة الرؤية لما اشتملت عليه، ومن هؤلاء الذين اختاروا هذا الاتجاه فخر الدين الرازي من أئمة الأشاعرة، والإمام ابن القيم، وابن تيمية والألوسي وغيرهم من العلماء [1] سورة المطففين آية: 16. [2] الاعتقاد ص: 47.