يقول الرازي في تقرير وجه الدلالة: "لو لم يكن الله تعالى جائز الرؤية لما حصل التمدح بقوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ألا ترى أن المعدوم لا تصح رؤيته، والعلوم والقدرة، والإرادة، والروائح والطعوم لا يصح رؤية شيء منها، ولا مدح لشيء منها في كونها بحيث لا تصح رؤيتها، فثبت أن قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} يفيد المدح، وثبت أن ذلك إنما يفيد المدح لو كان صحيح الرؤية، وهذا يدلّ على أن قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} يفيد كونه تعالى جائز الرؤية.
وتمام التحقيق فيه أن الشيء إذا كان في نفسه بحيث تمتنع رؤيته، فحينئذ لا يلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم للشيء، أما إذا كان في نفسه جائز الرؤية ثم إنه قدر على حجب الأبصار عن رؤ يته ومن إدراكه كانت هذه القدرة الكاملة دالة على المدح والعظمة، فثبت أن هذه الآية دالة على أنه تعالى جائز الرؤية بحسب ذاته"[1].
وقال ابن القيم - رحمه الله - مبيناً دلالة الإثبات وأن هذا ما ذهب إليه شيخه ابن تيمية " ... والاستدلال بهذه الآية على جواز الرؤية أعجب، فإنها من أدلة النفاة، وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال بها أحسن تقرير وألطفه، وقال: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله، فمنها هذه الآية، وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها، فإن الله سبحانه وتعالى إنما ذكرها في سياق التمدح ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية.
وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح الربّ تبارك وتعالى بالعدم إلا إذا تضمن أمراً وجودياً كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن [1] تفسير الفخر الرازي13/125.