ولذلك فرق الله تعالى بين المستطيع القادر وغير المستطيع فقال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [1]، وقد أثبت سبحانه للعبد مشيئة وفعلاً كما قال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [2]. وقال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [3]. لكن الله سبحانه خالقه، وخالق كل ما فيه من قدرة ومشيئة وعمل، فإنه لا ربّ غيره ولا إله سواه، وهو خالق كلّ شيء وربه ومليكه"[4].
أما ما استدلّ به البيهقي لنفي تأثير قدرة العبد في فعله فإنه استدلال في غير محله، لأن قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وليس فيه سلب لقدرة العبد على فعله، لأن القتل الذي نفاه سبحانه هنا إنما حصل بأمور خارجة عن قدرتهم، وقد كان هذا خاصاً في بدر حين أنزل الله تبارك وتعالى الملائكة، فكان المسلمون يرون رجالاً يقتلون ولا يرون من قتلهم، وهذا خرق للعادة في ذلك. إذ صارت رؤوس المشركين تطير قبل وصول السلاح إليها بالإشارة، وصارت الجريدة تتحول إلى سيف يقتل به.
وكذلك رميه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليصل إلى عيون جميع المشركين لولا قدرة الله تعالى، فكان ما وجد القتل وإصابة الرمية خارجاً عن قدرتهم [1] سورة آل عمران آية: 97. [2] سورة التكوير آية: 28-29. [3] سورة الأحقاف آية: 14. [4] انظر: شرح الطحاوية ص: 432، وشفاء الغليل لابن القيم ص: 112، ورسالة القضاء والقدر ضمن مجموع الرسائل الكبرى لابن تيمية2/93-94.