المعهودة، فسلبوه لانتفاء قدرتهم عليه. ولهذا نسب الله فعل الرمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونفى عنه الإصابة وبه صح الجمع بين النفي والإثبات {وَمَا رَمَيْتَ} أي: ما أصبت {إِذْ رَمَيْتَ} إذ طرحت، {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أصاب.
وهكذا كل ما فعله الله من الأفعال الخارجة عن القدرة المعتادة بسبب ضعف، كإنباع الماء وغيره من خوارق العادات، أو الأمور الخارجة عن قدرة الفاعل[1].
ولو أراد بذلك أن فعل العبد هو فعل الله لكان ينبغي أن يقال ذلك في كل فعل، ينفيه عن العبد، وإضافته إلى الله سبحانه.
أما قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} فإن معنى الآية: أأنتم تصيرونه زرعاً، أم نحن نجعله كذلك[2]. فهو سبحانه إنما نفى عنهم قدرتهم على إنبات ماحرثوا، ولهذا أثبت لهم فعل الحرث الذي هو وضع الحب في باطن الأرض – وذلك في صدر الآية حين قال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} فأثبت هم فعلاً لقدرتهم عليه هو الحرث، ونفى عنهم ما هو خارج عن قدرتهم وهو الإنبات، فالآية إنما تدلّ على إثبات أن العبد قادر على فعله قدرة تأثير، إذ كان وضعه للحب في باطن الأرض سبباً في إنبات الله له.
إلا أن البيهقي لا يقول بتأثير الأسباب في مسبباتها ونفى أن تكون أعمال العبد سبباً للجزاء المترتب عليها إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ، لأن الأعمال - عنده - مجرد إعلام للثواب والعقاب عندها يكون ذلك الثواب أو العقاب لا بها كما تقدم في أعمال العباد التي قرر أن قدرة العبد لا تأثير لها فيها. [1] اننظر: مجموع الفتاوى15/40. [2] جامع البيان للطبري27/198.