إِنَّه يجوز إِرَادَة فعل هُوَ مَعْصِيّة لَا على قصد عصيان وَكَذَلِكَ معاصي الْمُؤمنِينَ كلهَا كَانَت على أَفعَال من عاصيهم وَإِن لم يُرِيدُوا مَعْصِيّة الله بل لَو أَرَادوا لكفروا فَهَذَا يبين أَن إِرَادَة فعل يكون من فَاعله مَعْصِيّة لَا يكون كإرادة الْمعْصِيَة فَمثله إِرَادَة الله فعل الْكَافِر ليَكُون مِنْهُ مَعْصِيّة أَو فعله الشتم ليَكُون مشتما قبيحا لَا يكون كإرادة الشتم وَالْمَعْصِيَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ عَارض بِأَن رَسُول الله رَضِي مِنْهُم الإنهزام وَذَلِكَ فَاسد لِأَن الإنهزام مِنْهُم لم يكن لرَسُول الله أَو الله فيتكلم فِيهِ بِالرِّضَا وَغير الرِّضَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ عورض بِمَا كَانَ كفر أَكثر عباد الله بِأَن أَرَادَ إِبْلِيس وَالله أَرَادَ مِنْهُم الطَّاعَة فَصَارَت إِرَادَة إِبْلِيس فِي ملك الله وسلطانه أبعد من إِرَادَة الله فَأجَاب بِالرِّضَا والمحبة والسخط وَقد بَينا نَحن الْفَصْل بَين الْأَمريْنِ على أَنه يكون فعل يرضى بِهِ الْمَرْء ويسخط من غير أَن كَانَ وَقت فعله ومحال ذَلِك فِي الْإِرَادَة ثَبت أَنَّهَا شَرط الْفِعْل فِيمَا يظْهر التَّعْجِيز إِذْ لَا يَخْلُو عَنْهَا فعل الْمُخْتَار وَأَيْضًا إِنَّا لَا نقُول بِأَن الله يحب من يعلم أَنه لَا يُؤمن أَو يرضى مِنْهُ لِأَنَّهُمَا يُحِبَّانِ بِالْفِعْلِ فَمن لَا يفعل بالْقَوْل بِهِ بعيد وَأما الْإِرَادَة فقد بَينا وَالله أعلم
وَالْأَصْل فِي هَذَا فِي الْمُتَعَارف أَن الْفِعْل يخرج على إِرَادَة أَو غَلَبَة أَو غَفلَة ثمَّ الله سُبْحَانَهُ لَا يجوز أَن يُوصف فِي فعل العَبْد بالغلبة أَو الْغَفْلَة ثَبت أَن كَانَ بالإرادة والمعتزلة لَا يثبتون لله معنى فِي الْإِرَادَة سوى كَون الْعلم بعد أَن لم يكن من غير ضَرُورَة لَهُ وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ فِي فعل كل من أهل الْعَالم قَائِم فَلَا وَجه لإنكارهم على قَوْلهم وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة