الثالثة: حمل كثير ممن يسميهم ابن سينا «الخاصة» وهم المتعمقون في النظر العقلي على تكذيب الشرع البتة لأنهم يرون فيه تلك النصوص التي يرون أن معانيها باطلة، فيقولون: لو كان هذا الشرع حقاً ما جاء بالباطل، والله تعالى أعز وأجل مكن أن يجل أو يكذب، والأنبياء الصادقون لا يجهلون ولا يكذبون عليه، واعتذار ابن سينا باطل كما ترى. فإن قيل أما هذم المفسدة فهي حاصلة على كل حال، قلت: لكن إن كانت النصوص كما يقول المكذبون كانت تبعة هذا المفسدة عليها.
فأما إذا كانت حقاً كما يقول السلفيون فإن تبعة هذه المفسدة تكون على التعمق في النظر وتقديم ما يلوح منه على الفطرة والعقول الفطرية وكلام الله وكلام رسوله، وبعبارة أخرى تكون تبعتها على إتباع الهوى، وإيثاره على الحق، ويكون ذلك بالنظر إلى الشرع مصلحة.
الرابعة: حمل أشد المؤمنين إخلاصاً وأقواهم إيماناً بالله ورسوله، وألزمهم اعتصاماً بالكتاب والسنة - على تضليل أو تكفير من يظهر خلاف تلك النصوص من «الخاصة» ، وحمل «الخاصة» على تجهيل أولئك المخلصين وتضليلهم والسخرية منهم.
ومن أعجب العجب أن الفريقين إذا علما ما في الافتراق في الدين من الفساد طلباً من الدين نفسه الذي أو قعها - على زعم المتعمقين - في الافتراق، وقد زجر عنه - أن يدلهما على المخلص، فلا يجد أن إلا قول الله عز وجل: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» النساء - 59.
فيتداعى الفريقان الى تحكيم الكتاب والسنة، فأما السلفيون فيقولون: ذلك ما كنا نبغي، وأما «الخاصة» فيعلمون أنهم إن أجابوا قضى الكتاب والسنة قضاء باتاً بتلك النصوص، وإن أعرضوا تلا السلفيون ما يلي تلك الآية «أَلَمْ تَرَ