أخبر بأن كلام الله تعالى كله صدق. فقالت المعتزلة: إنما ثبتت نبوة النبي بإخبار الله عز وجل بأنه صادق، وذلك بإظهار المعجزة على يده إظهار مستلزماً لذاك الإخبار، إذ هو بمنزلة أن يقول تعالى: صدق في دعواه أنني أرسلته.قالوا: فإن كان العقل يجوز وقوع الكذب من الله تعالى جاز أن يكون هذا الخبر كذباً، فلا يكون مدعي النبوة نبياً، فتجويزكم عقلاً أن يقع الكذب من الله تعالى يلزمه أن لا تثبت نبوة محمد يكون لكم أن تحتجوا على نفي وقوعه بخبر؟ أجاب الأشعرية بأن دلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة عادية، وذلك أن الله تعالى أجرى العادة بخلق العلم بالصدق عقبها، قالوا: «فإن إظهار المعجز على يد الكاذب وإن كان ممكناً عقلاً فمعلوم انتفاؤه عادة» .
قال العضد: «وقد ضربوا لهذا مثلاً قالوا: إذا ادعى الرجل بمشهد الجم الغفير أني رسول هذا الملك إليكم، ثم قال الملك: إن كنت صادقاً فخالف عادتك وقم من الموضع المعتاد لك من السرير واقعد بمكان لا تعتاده، ففعل كان ذلك بمنزلة التصديق بصريح مقاله ولم يشك أحد في صدقه بقرينة الحال، وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد، بل ندعي في إفادته العلم بالضرورة العادية، ونذكر هذا للتفهيم» .
أقول: الذين شاهدوا المعجزات لم يوقنوا جميعاً بل بقي كثيرون منهم مرتابين، وفي القرآن كثيرة نصوص تصرح بذلك، وهذا يدفع أن يكون الله عز وجل أجرى العادة بخلق العلم بالصدق عقب المعجزة.
فإن قيل، الذين بقوا مرتابين إنما ارتابوا لعدم علمهم بأن ذلك فعل الله عز وجل بل جوزوا السحر.
قلت: فإذا لم يقع العلم بالصدق إلا لمن علم أن ذلك فعل الله عز وجل فهذا نظير المثال الذي ذكروه، فلوفرضنا فيه أن ذلك الجم الغفير كانوا يعتقدون أن الملك لا يبالي أصدق أم كذب ولا أَفَعَل ما تقتضيه الحكمة أم ما آتاه، لم يحصل لهم بقيامه