ويقدمون لها الذبائح والنذور، وغير ذلك مما وصفناه سابقًا؛ فعُبدت من دون الله في سائر الأقطار؛ حتى كاد لا يخلو قطر من أقطار المسلمين من مثل هذا، ولم ينكر عليهم أحد؛ إمَّا لقلة العلم، أو خوفه من العامة؛ فإن الأكثرين قد ولعوا بهذه البدع المضلّة.
فصل
ثم رأى فريق من الناس أن هذه الكتب ـ أعني: كتب الفقه ـ المؤلفة في المذاهب الأربعة وغيرها لا تفي بحال الناس، ولا تلائم حالهم في كل زمان ومكان، وقالوا: إنَّ الشريعة ليست كفيلة بمصالح الناس! وذلك نشأ عن جهلهم بالشرع ومعناه لغة واصطلاحًا، وفهموا أن الشرع محصور في هذه الكتب المؤلفة في الفقه، وأن علوم القرآن والسنَّة قد أحاطت هذه الكتب بها، واحتوت عليها. كلَّا ثم كلَّا؛ بل هذه الكتب مشتملة على ما هو حق وَرَدَ به الشرع، وعلى ما هو باطل مناقض للشرع أعظم تناقض، فلما لم يفهم هذا الفريق ما وصفناه؛ نسب القصور إلى الشرع، وتركوه جملة، وابتدعوا للناس قوانين ملفقة من آراء النصارى والمسلمين، وأوجبوا على الناس التعامل بها والحكم بما فيها، ومن خالفَ أو نازع في شيء منها؛ فإنه يُهَدَّد بالجزاء والحبس والقتل. وهذا القسم لا نطيل البحث فيه؛ لأنَّ [ما] كل ما يعلم يُقال.
فهذا الذي ذكرناه بعض ما طرأ على الإسلام والمسلمين من الأسباب التي أخَّرت المسلمين عن الترقي في العلم والعمل أمام الغربيين، وأوقعت بين أنفسهم العداوة والبغضاء والشحناء، واجتثت عروق المحبة والمودة بينهم؛ فتراهم لا يرحم بعضهم بعضًا،